الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***
بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَفَتْحِهَا، ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِجَمْعِهَا الْجَمَاعَاتِ وَلِجَمْعِ طِينَةِ آدَمَ فِيهَا وَقِيلَ: غَيْرُهُ وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا: قَوْله تَعَالَى {إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} الْآيَةَ: وَالسُّنَّةُ بِهَا شَهِيرَةٌ وَهِيَ (أَفْضَلُ مِنْ الظُّهْرِ) بِلَا نِزَاعٍ قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ (وَ) هِيَ (مُسْتَقِلَّةٌ) لَيْسَتْ بَدَلًا عَنْ الظُّهْرِ، لِجَوَازِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ، وَلِعَدَمِ جَوَازِ زِيَادَتِهَا عَلَى رَكْعَتَيْنِ (فَلَا تَنْعَقِدُ) الْجُمُعَةُ (بِنِيَّةِ الظُّهْرِ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَعَبْدٍ وَمُسَافِرٍ) لِحَدِيثِ {وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى} (وَلَا لِمَنْ قُلِّدَهَا) أَيْ قَلَّدَهُ الْإِمَامُ إمَامَةَ الْجُمُعَةِ (أَنْ يَؤُمَّ فِي) الصَّلَوَاتِ (الْخَمْسِ) وَكَذَا مَنْ قُلِّدَ الْخَمْسَ، لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَمَّ فِيهَا، وَأَمَّا إمَامَةُ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْكُسُوفِ فَلَا يَؤُمُّ فِيهَا إلَّا مَنْ قُلِّدَهَا، إلَّا إذَا وَلِيَ إمَامَةَ الصَّلَوَاتِ فَتَدْخُلُ فِي عُمُومِهَا ذَكَرَهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَالْمُرَادُ: لَا يَسْتَفِيدُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا يُوقَفُ عَلَى إذْنِهِ كَمَا يَأْتِي. (وَلَا تُجْمَعُ) جُمُعَةٌ إلَى عَصْرٍ وَلَا غَيْرِهَا (حَيْثُ أُبِيحَ الْجَمْعُ) لِعَدَمِ وُرُودِهِ (وَ) صَلَاةُ الْجُمُعَةِ (فَرْضُ الْوَقْتِ) أَيْ وَقْتِهَا (فَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ أَهْلُ بَلَدٍ) يَبْلُغُونَ أَرْبَعِينَ (مَعَ بَقَاءِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ لَمْ تَصِحَّ) ظُهْرُهُمْ لِأَنَّهُمْ صَلَّوْا مَا لَمْ يُخَاطَبُوا بِهِ وَتَرَكُوا مَا خُوطِبُوا بِهِ كَمَا لَوْ صَلَّوْا الْعَصْرَ مَكَانَ الظُّهْرِ (وَتُتْرَكُ) أَيْ تُؤَخَّرُ (فَجْرٌ فَائِتَةٌ) وَغَيْرُهَا مِثْلُهَا (لِخَوْفِ فَوْتِ الْجُمُعَةِ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهَا، بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ (وَالظُّهْرُ بَدَلٌ عَنْهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ (إذَا فَاتَتْ) لِأَنَّهَا لَا تُقْضَى. (وَتَجِبُ) الْجُمُعَةُ وُجُوبَ عَيْنٍ (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ) لِمَا تَقَدَّمَ، لَا كَافِرٍ وَلَوْ مُرْتَدًّا وَلَا صَغِيرٍ وَلَوْ مُمَيِّزًا وَلَا مَجْنُونٍ (ذَكَرٍ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ حُضُورِ مَجَامِعِ الرِّجَالِ (حُرٍّ) لِحَدِيثِ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ مَرْفُوعًا {الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إلَّا أَرْبَعَةً: عَبْدٌ، مَمْلُوكٌ أَوْ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ: طَارِقٌ قَدْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ. (مُسْتَوْطِنٌ بِنَاءً) مُعْتَادًا (وَلَوْ مِنْ قَصَبٍ) لَا يَرْتَحِلُ عَنْهُ صَيْفًا وَلَا شِتَاءً وَلَوْ فَرَاسِخَ نَصًّا فَلَا جُمُعَةَ عَلَى أَهْلِ خِيَامٍ، وَخَرِكٍ، وَبُيُوتِ شَعْرٍ، لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَكَانُوا لَا يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ، وَلَا أَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا وَلِأَنَّهُمْ عَلَى هَيْئَةِ الْمُسَافِرِينَ (أَوْ) مُسْتَوْطِنِينَ (قَرْيَةً خَرَابًا عَزَمُوا عَلَى إصْلَاحِهَا وَ) عَلَى (الْإِقَامَةِ بِهَا) وَبَلَغُوا الْعَدَدَ فَتَلْزَمُ الْجُمُعَةُ مُسْتَوْطِنِينَ قَبْلَ إصْلَاحِهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانُوا مُسْتَوْطِنِينَ وَانْهَدَمَتْ دُورُهُمْ وَأَرَادُوا إصْلَاحَهَا (أَوْ) مُسْتَوْطِنٍ مَكَانًا (قَرِيبًا مِنْ الصَّحْرَاءِ) وَكَذَا إقَامَةُ الْجُمُعَةِ بِمَكَانٍ مِنْ الصَّحْرَاءِ قَرِيبٍ مِنْ الْبَلَدِ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لَيْسَ شَرْطًا فِيهَا. (وَلَوْ تَفَرَّقَ) بِنَاءُ الْبَلَدِ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ (وَشَمِلَهُ) أَيْ الْبِنَاءَ (اسْمٌ وَاحِدٌ) لِأَنَّهُ بَلَدٌ وَاحِدٌ وَإِنْ تَفَرَّقَ بِمَا لَمْ تَجْرِ بِهِ الْعَادَةُ لَمْ تَصِحَّ فِيهَا، صَحَّحَهُ فِي الْمُبْدِعِ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَ مِنْهَا مَا يَسْكُنُهُ أَرْبَعُونَ فَتَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ وَيَتْبَعُهُمْ الْبَاقُونَ وَرَبَضُ الْبَلَدِ وَهُوَ مَا حَوْلَهَا لَهُ حُكْمُهُ. وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ (إنَّ بَلَغُوا) أَيْ أَهْلُ الْقَرْيَةِ (أَرْبَعِينَ) مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا (أَوْ) لَمْ يَبْلُغُوا أَرْبَعِينَ لَكِنْ (لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَوْضِعِهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ مِنْ الْمِصْرِ (أَكْثَرُ مِنْ فَرْسَخٍ) نَصًّا (تَقْرِيبًا فَتَلْزَمُهُمْ) الْجُمُعَةُ (بِغَيْرِهِمْ كَمَنْ بِخِيَامٍ وَنَحْوِهَا) كَبُيُوتِ شَعْرٍ وَمُسَافِرٍ أَقَامَ مَا يَمْنَعُ الْقَصْرَ وَلَمْ يَسْتَوْطِنْ. (وَلَا تَجِبُ) جُمُعَةٌ (عَلَى مُسَافِرٍ فَوْقَ فَرْسَخٍ) لَا بِنَفْسِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يُسَافِرُونَ فِي الْحَجِّ وَغَيْرِهِ فَلَمْ يُصَلِّ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْجُمُعَةَ فِي السَّفَرِ، مَعَ اجْتِمَاعِ الْخَلْقِ الْكَثِيرِ (إلَّا فِي سَفَرٍ لَا قَصْرَ مَعَهُ) كَسَفَرِ مَعْصِيَةٍ وَمَا دُونَ الْمَسَافَةِ، فَتَلْزَمُهُ بِغَيْرِهِ (أَوْ) إلَّا أَنْ (يُقِيمَ مَا يَمْنَعُهُ) أَيْ الْقَصْرَ كَفَوْقِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ (لِشُغْلٍ) كَتَاجِرٍ مُقِيمٍ لِبَيْعِ مَتَاعِهِ (أَوْ) يُقِيمُ لِطَلَبِ (عِلْمٍ وَنَحْوِهِ) كَرِبَاطِ (فَوْقِ أَرْبَعَةِ) أَيَّامٍ (فَتَلْزَمُهُ) الْجُمُعَةُ (بِغَيْرِهِ) لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ. وَ (لَا) تَجِبُ عَلَى (عَبْدٍ، وَ) لَا عَلَى (مُبَعَّضٍ) وَمُكَاتَبٍ وَمُدَبَّرٍ مُعَلَّقٍ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ قَبْلَ وُجُودِهَا (وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا خُنْثَى) مُشْكِلٍ، لِحَدِيثِ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، وَالْخُنْثَى لَمْ تَتَحَقَّقْ ذُكُورِيَّتُهُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ حُضُورُهَا احْتِيَاطًا (وَمَنْ حَضَرَهَا) أَيْ الْجُمُعَةَ (مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ مُسَافِرٍ وَعَبْدٍ وَمُبَعَّضٍ وَامْرَأَةٍ وَخُنْثَى (أَجْزَأَتْهُ) عَنْ الظُّهْرِ لِأَنَّ إسْقَاطَ الْجُمُعَةِ عَنْهُمْ تَخْفِيفٌ، فَإِذَا صَلَّاهَا فَكَالْمَرِيضِ إذَا تَكَلَّفَ الْمَشَقَّةَ (وَلَمْ تَنْعَقِدْ) الْجُمُعَةُ (بِهِ) فَلَا يُحْسَبُ مِنْ الْعَدَدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا وَإِنَّمَا صَحَّتْ مِنْهُ تَبَعًا (وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَؤُمَّ) فِيهَا لِئَلَّا يَصِيرَ التَّابِعُ مَتْبُوعًا (وَلَا) يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ أَيْضًا (مَنْ لَزِمَتْهُ) الْجُمُعَةُ (بِغَيْرِهِ فِيهَا) كَمُسَافِرٍ أَقَامَ لِطَلَبِ عِلْمٍ أَوْ تِجَارَةٍ، وَمَنْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَوْضِعِهَا أَكْثَرُ مِنْ فَرْسَخٍ لِمَا تَقَدَّمَ (وَالْمَرِيضُ وَنَحْوُهُ) كَخَائِفٍ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ أَوْ أَهْلِهِ، وَنَحْوُهُ مَنْ لَهُ شُغْلٌ أَوْ عُذْرٌ يُبِيحُ تَرْكَ الْجُمُعَةِ (إذَا حَضَرَهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَانْعَقَدَتْ بِهِ) وَجَازَ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا لِأَنَّ السَّاقِطَ عَنْهُ الْحُضُورُ لِلْمَشَقَّةِ فَإِذَا تَكَلَّفَهَا وَحَضَرَ تَعَيَّنَتْ كَمَرِيضٍ بِالْمَسْجِدِ. (وَلَا تَصِحُّ) صَلَاةُ (الظُّهْرِ) يَوْمَ الْجُمُعَةِ (مِمَّنْ يَلْزَمُهُ حُضُورُ الْجُمُعَةِ) بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ (قَبْلَ تَجْمِيعِ الْإِمَامِ) أَيْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ (وَلَا مَعَ شَكٍّ فِيهِ) أَيْ تَجْمِيعِ الْإِمَامِ لِأَنَّهَا فَرْضُ الْوَقْتِ فَقَدْ صَلَّى مَا لَمْ يُخَاطَبْ بِهِ وَتَرَكَ مَا خُوطِبَ بِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ صَلَّى الْعَصْرَ مَكَانَ الظُّهْرِ، فَيُعِيدُهَا ظُهْرًا إنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ. وَإِنْ ظَنَّ أَنْ يُدْرِكَ الْجُمُعَةَ سَعَى إلَيْهَا وَإِلَّا انْتَظَرَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ فَوْتَهَا (وَتَصِحُّ) الظُّهْرُ (مِنْ مَعْذُورٍ) قَبْلَ تَجْمِيعِ إمَامٍ لِأَنَّهَا فَرْضُهُ، وَقَدْ أَدَّاهُ (وَلَوْ زَالَ عُذْرُهُ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ تَجْمِيعِ الْإِمَامِ كَمَعْضُوبٍ حُجَّ عَنْهُ ثُمَّ عُوفِيَ (إلَّا الصَّبِيَّ) إذَا بَلَغَ وَلَوْ كَانَ بُلُوغُهُ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ تَجْمِيعِ الْإِمَامِ، وَكَانَ قَدْ صَلَّى الظُّهْرَ أَوَّلًا أَعَادَهَا بَلْ وَلَوْ بَلَغَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ أَعَادَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ كَمَا تَقَدَّمَ، لِأَنَّ الْأُولَى كَانَتْ نَفْلًا وَقَدْ صَارَتْ فَرْضًا. (وَحُضُورُهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ (لِمَعْذُورٍ) تَسْقُطُ عَنْهُ أَفْضَلُ. (وَ) حُضُورُهَا (لِمَنْ اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهَا عَلَيْهِ كَعَبْدٍ أَفْضَلُ) خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ (وَنُدِبَ تَصَدُّقٌ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِهِ) عَلَى التَّخْيِيرِ (لِتَارِكِهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ (بِلَا عُذْرٍ) لِلْخَبَرِ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ وَرَدَّ تَصْحِيحَ الْحَاكِمِ لَهُ. (وَحَرُمَ سَفَرُ مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ) بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ (فِي يَوْمِهَا بَعْدَ الزَّوَالِ حَتَّى يُصَلِّيَ) الْجُمُعَةَ لِاسْتِقْرَارِهَا فِي ذِمَّتِهِ بِدُخُولِ أَوَّلِ الْوَقْتِ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ تَفْوِيتُهَا بِالسَّفَرِ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا مَنْ الصَّلَوَاتِ لِإِمْكَانِ فِعْلِهَا حَالَ السَّفَرِ (إنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ رُفْقَتِهِ) بِسَفَرٍ مُبَاحٍ، فَإِنْ خَافَهُ سَقَطَ عَنْهُ وُجُوبُهَا وَجَازَ لَهُ السَّفَرُ (وَكُرِهَ) السَّفَرُ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الزَّوَالِ لِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا، وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَلَمْ يَحْرُمْ لِقَوْلِ عُمَرَ " لَا تَحْبِسُ الْجُمُعَةُ عَنْ سَفَرٍ " رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَكَمَا لَوْ سَافَرَ مِنْ اللَّيْلِ وَلِأَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالزَّوَالِ وَمَا قَبْلَهُ وَقْتُ رُخْصَةٍ (إنْ لَمْ يَأْتِ) مُسَافِرٌ (بِهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ (فِي طَرِيقِهِ فِيهِمَا) أَيْ فِيمَا إذَا سَافَرَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَقَبْلَهُ، فَإِنْ أَتَى بِهَا فِي طَرِيقِهِ لَمْ يَحْرُمْ، وَلَمْ يُكْرَهْ لِأَدَاءِ فَرْضِهِ.
وَلِصِحَّتِهَا أَيْ الْجُمُعَةِ شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ (لَيْسَ مِنْهَا) أَيْ الشُّرُوطِ (إذْنُ الْإِمَامِ) لِأَنَّ عَلِيًّا صَلَّى بِالنَّاسِ، وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ، فَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ، وَصَوَّبَهُ عُثْمَانُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ وَقَالَ أَحْمَدُ: وَقَعَتْ الْفِتْنَةُ فِي الشَّامِ تِسْعَ سِنِينَ وَكَانُوا يُجْمِعُونَ (أَحَدُهَا) أَيْ شُرُوطِ الْجُمُعَةِ (الْوَقْتُ) لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ. فَاعْتُبِرَ لَهَا الْوَقْتُ كَبَقِيَّةِ الْمَفْرُوضَاتِ (وَهُوَ) أَيْ وَقْتُ الْجُمُعَةِ (مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الْعِيدِ) نَصَّ عَلَيْهِ. لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِيدَانَ السُّلَمِيُّ قَالَ " شَهِدْتُ الْجُمُعَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَتْ خُطْبَتُهُ وَصَلَاتُهُ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ ثُمَّ شَهِدْتُهَا مَعَ عُمَرَ، فَكَانَتْ خُطْبَتُهُ وَصَلَاتُهُ إلَى أَنْ أَقُولَ: قَدْ انْتَصَفَ النَّهَارُ، ثُمَّ شَهِدْتهَا مَعَ عُثْمَانَ، فَكَانَتْ خُطْبَتُهُ وَصَلَاتُهُ إلَى أَنْ أَقُولَ: زَالَ النَّهَارُ فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا عَابَ ذَلِكَ وَلَا أَنْكَرَهُ". وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ وَسَعِيدٍ وَمُعَاوِيَةَ أَنَّهُمْ صَلَّوْا قَبْلَ الزَّوَالِ، وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ إجْمَاعًا، (إلَى آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ) إلْحَاقًا لَهَا بِهَا لِوُقُوعِهَا مَوْضِعَهَا (وَتَلْزَمُ) الْجُمُعَةُ (بِزَوَالٍ) لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ وَقْتُ جَوَازٍ. (وَ) فِعْلُهَا (بَعْدَهُ) أَيْ الزَّوَالِ (أَفْضَلُ) خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَلِأَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهَا فِي أَكْثَرِ أَوْقَاتِهِ وَالْأَوْلَى فِعْلُهَا عَقِبَ الزَّوَالِ صَيْفًا وَشِتَاءً (وَلَا تَسْقُطُ) الْجُمُعَةُ (بِشَكٍّ فِي خُرُوجِهِ) أَيْ الْوَقْتِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَالْوُجُوبُ مُحَقَّقٌ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ التَّحْرِيمَةِ بَعْدَ الْخُطْبَةِ فَعَلُوهَا (فَإِنْ تَحَقَّقُوا) خُرُوجَهُ (قَبْلَ التَّحْرِيمَةِ صَلَّوْا ظُهْرًا) لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُقْضَى (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقُوا خُرُوجَهُ قَبْلَ التَّحْرِيمَةِ (أَتَمُّوا جُمُعَةً) نَصًّا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ وَهِيَ تُدْرَكُ بِالتَّحْرِيمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَإِنْ عَلِمُوا إحْرَامَهُمْ بَعْدَ الْوَقْتِ قَضَوْا ظُهْرًا لِبُطْلَانِ جُمُعَتِهِمْ. (الثَّانِي: اسْتِيطَانُ أَرْبَعِينَ) رَجُلًا (وَلَوْ بِالْإِمَامِ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ " أَوَّلُ مَنْ صَلَّى بِنَا الْجُمُعَةَ فِي نَقِيعِ الْخَضِمَاتِ: أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَكُنَّا أَرْبَعِينَ " صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ. وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُنْقَلْ عَمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ أَنَّهَا صُلِّيَتْ بِدُونِ ذَلِكَ (بِقَرْيَةٍ) مَبْنِيَّةٍ بِمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ آجُرٍّ، أَوْ لَبِنٍ، أَوْ خَشَبٍ، أَوْ غَيْرِهَا، مُقِيمِينَ بِهَا صَيْفًا وَشِتَاءً وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شُرُوطِهَا الْمِصْرُ وَأَنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْ أَهْلِ الْخَرِكِ، وَنَحْوِهَا (فَلَا تَتِمُّ) الْأَرْبَعُونَ (مِنْ مَكَانَيْنِ) أَيْ بَلَدَيْنِ (مُتَقَارِبَيْنِ) فِي كُلٍّ مِنْهُمَا دُونَ أَرْبَعِينَ، لِفَقْدِ شَرْطِهَا. (وَلَا يَصِحُّ بِجَمِيعِ أَهْلِ بَلَدٍ كَامِلٍ) فِيهِ الْعَدَدُ (فِي بَلَدٍ نَاقِصٍ) فِيهِ الْعَدَدُ وَيَلْزَمُ التَّجْمِيعُ فِي الْكَامِلِ لِئَلَّا يَصِيرَ التَّابِعُ مَتْبُوعًا (وَالْأَوْلَى: مَعَ تَتِمَّةِ الْعَدَدِ) فِي بَلَدَيْنِ فَأَكْثَرَ مُتَقَارِبَةٍ (تَجْمِيعُ كُلِّ قَوْمٍ) فِي بَلَدِهِمْ إظْهَارًا لِشَعَائِرِ الْإِسْلَامِ. (الثَّالِثُ حُضُورُهُمْ) أَيْ الْأَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا (الْخُطْبَةَ) وَالصَّلَاةَ (وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ خُرْسٌ) وَالْخَطِيبُ نَاطِقٌ (أَوْ) كَانَ فِيهِمْ (صُمٌّ) لِوُجُودِ الشُّرُوطِ (لَا كُلُّهُمْ) أَيْ إنَّ كَانُوا كُلُّهُمْ خُرْسًا حَتَّى الْخَطِيبُ، أَوْ كَانُوا كُلُّهُمْ صُمًّا لَمْ تَصِحَّ جُمُعَتُهُمْ لِفَوَاتِ الْخُطْبَةِ صُورَةً فِي الْأُولَى، وَفَوَاتِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا فِي الثَّانِيَةِ. (فَإِنْ نَقَصُوا) أَيْ الْأَرْبَعُونَ (قَبْلَ إتْمَامِهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ (اسْتَأْنَفُوا ظُهْرًا) نَصًّا لِأَنَّ الْعَدَدَ شَرْطٌ فَاعْتُبِرَ فِي جَمِيعِهَا، كَالطَّهَارَةِ وَالْمَسْبُوقُ إنَّمَا صَحَّتْ مِنْهُ تَبَعًا لِصِحَّتِهَا مِمَّنْ لَمْ يَحْضُرْ الْخُطْبَةَ (إنْ لَمْ تُمْكِنْ إعَادَتُهَا) جُمُعَةً بِشُرُوطِهَا فَإِنْ أَمْكَنَتْ وَجَبَتْ لِأَنَّهَا فَرْضُ الْوَقْتِ (وَإِنْ بَقِيَ، الْعَدَدُ) أَيْ الْأَرْبَعُونَ بَعْدَ انْفِضَاضِ بَعْضِهِمْ. (وَلَوْ) كَانَ الْبَاقُونَ (مِمَّنْ لَمْ يَسْمَعْ الْخُطْبَةَ وَلَحِقُوا بِهِمْ) أَيْ بِمَنْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ (قَبْلَ نَقْصِهِمْ أَتَمُّوا جُمُعَةً) لِوُجُودِ الشَّرْطِ كَبَقَائِهِ مِنْ السَّامِعِينَ وَإِنْ لَحِقُوا بَعْدَ النَّقْصِ فَإِنْ أَمْكَنَ اسْتِئْنَافُ الْجُمُعَةِ وَإِلَّا صَلَّوْا ظُهْرًا (وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ وَحْدَهُ) أَيْ دُونَ الْمَأْمُومِينَ اعْتِبَارَ (الْعَدَدِ فَنَقَصَ) الْعَدَدُ. (لَمْ يَجُزْ) لِلْإِمَامِ (أَنْ يَؤُمَّهُمْ) لِاعْتِقَادِهِ الْبُطْلَانَ (وَلَزِمَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ أَحَدَهُمْ) لِيُصَلِّيَ بِهِمْ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ لَا يَتِمُّ إلَّا بِذَلِكَ (وَبِالْعَكْسِ) بِأَنْ رَأَى الْمَأْمُومُونَ الْعَدَدَ وَحْدَهُمْ (لَا تَلْزَمُ) الْجُمُعَةُ (وَاحِدًا مِنْهُمَا) أَيْ لَا مِنْ الْإِمَامِ، وَلَا الْمَأْمُومِينَ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهَا. (وَلَوْ أَمَرَهُ) أَيْ إمَامَ الْجُمُعَةِ (السُّلْطَانَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ إلَّا بِأَرْبَعِينَ لَمْ يَجُزْ) لَهُ مِنْ حَيْثُ الْوِلَايَةُ أَنْ يُصَلِّيَ (بِأَقَلَّ) مِنْ أَرْبَعِينَ، وَلَوْ اعْتَقَدَ صِحَّتَهَا بِدُونِهَا (وَلَا) يَمْلِكُ (أَنْ يَسْتَخْلِفَ) لِقِصَرِ وِلَايَتِهِ (بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ الزَّائِدِ) فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ بِرَأْيِهِ (وَبِالْعَكْسِ) بِأَنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ بِأَرْبَعِينَ (الْوِلَايَةُ بَاطِلَةٌ) لِتَعَذُّرِهَا مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ (وَلَوْ لَمْ يَرَوْهَا) أَيْ الْجُمُعَةَ، أَيْ وُجُوبَهَا (قَوْمٌ بِوَطَنٍ مَسْكُونٍ) لِنَقْصِهِمْ عَنْ الْأَرْبَعِينَ مَثَلًا (فَلِلْمُحْتَسَبِ أَمْرُهُمْ بِرَأْيِهِ) أَيْ اعْتِقَادِهِ (بِهَا) لِئَلَّا يَظُنَّ الصَّغِيرُ أَنَّهَا تَسْقُطُ مَعَ زِيَادَةِ الْعَدَدِ، وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ: يُصَلِّيهَا مَعَ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، مَعَ اعْتِبَارِ عَدَالَةِ الْإِمَامِ (وَمَنْ فِي وَقْتِهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ (أَحْرَمَ) بِهَا (وَأَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْهَا رَكْعَةً) قَالَ فِي شَرْحِهِ: بِسَجْدَتَيْهَا (أَتَمَّ جُمُعَةً) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ} رَوَاهُ الْأَثْرَمُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُحْرِمْ فِي الْوَقْتِ، بَلْ بَعْدَهُ. وَلَوْ أَدْرَكَ الرَّكْعَتَيْنِ أَوْ فِيهِ، وَلَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا (فَ) إنَّهُ يُتِمُّ (ظُهْرًا) لِمَفْهُومِ الْخَبَرِ السَّابِقِ وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُقْضَى (إنْ دَخَلَ وَقْتُهُ) أَيْ الظُّهْرِ (وَنَوَاهُ) عِنْدَ إحْرَامِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَدْخُلْ وَلَمْ يَنْوِهِ، بَلْ نَوَى جُمُعَةً (فَ) إنَّهُ يُتِمُّ صَلَاتَهُ (نَفْلًا) أَمَّا فِي الْأُولَى: فَكَمَنْ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ فَبَانَ قَبْلَ وَقْتِهِ. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ، فَلِحَدِيثِ {إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى} وَلِأَنَّ الظُّهْرَ لَا تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ ابْتِدَاءً فَكَذَا اسْتِدَامَةٌ، وَكَالظُّهْرِ مَعَ الْعَصْرِ (وَمَنْ أَحْرَمَ مَعَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (ثُمَّ زُحِمَ) عَنْ سُجُودٍ بِأَرْضٍ (لَزِمَهُ السُّجُودُ) مَعَ إمَامِهِ وَلَوْ (عَلَى ظَهْرِ إنْسَانٍ أَوْ رِجْلِهِ) لِقَوْلِ عُمَرَ " إذَا اشْتَدَّ الزِّحَامُ فَلْيَسْجُدْ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ وَسَعِيدٌ، كَالْمَرِيضِ يَأْتِي بِمَا يُمْكِنُهُ. وَيَصِحُّ وَإِنْ احْتَاجَ إلَى مَوْضِع يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ لَمْ يَجُزْ وَضْعُهُمَا عَلَى ظَهْرِ إنْسَانٍ ذَكَرَهُ فِي الْإِقْنَاعِ (فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ) السُّجُودُ عَلَى ظَهْرِ إنْسَانٍ أَوْ رِجْلِهِ (فَإِذَا زَالَ الزِّحَامُ) سَجَدَ بِالْأَرْضِ، وَلَحِقَ إمَامَهُ، كَمَا فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ لِلْعُذْرِ. وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا (إلَّا أَنْ يَخَافَ) بِسُجُودٍ بِالْأَرْضِ بَعْدَ زَوَالِ الزِّحَامِ (فَوْتَ) الرَّكْعَةِ (الثَّانِيَةِ) مَعَ الْإِمَامِ، فَإِنْ خَافَهُ (فَ) إنَّهُ (يُتَابِعُهُ) أَيْ الْإِمَامَ (فِيهَا) أَيْ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، كَالْمَسْبُوقِ (وَتَصِيرُ) ثَانِيَةُ الْإِمَامِ (أُولَاهُ) أَيْ الْمَأْمُومِ يَبْنِي عَلَيْهَا (وَيُتِمُّهَا جُمُعَةً) لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْهَا رَكْعَةً وَتَقَدَّمَ: لَوْ زَالَ عُذْرُهُ وَقَدْ رَفَعَ إمَامُهُ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ تَابَعَ. وَتَتِمُّ لَهُ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ يُدْرِكُ بِهَا الْجُمُعَةَ (فَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ) الْمَأْمُومُ الْمَزْحُومُ فِي الثَّانِيَةِ مَعَ خَوْفِ فَوْتِهَا (عَالَمًا بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ لِتَرْكِهِ وَاجِبَ الْمُتَابَعَةِ بِلَا عُذْرٍ (وَإِنْ جَهِلَهُ) أَيْ تَحْرِيمَ عَدَمِ مُتَابَعَتِهِ (فَسَجَدَ) سَجْدَتَيْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى (ثُمَّ أَدْرَكَهُ) أَيْ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ (أَتَى بِرَكْعَةٍ) ثَانِيَة (بَعْدَ سَلَامِهِ) أَيْ الْإِمَامِ، لِأَنَّهُ أَتَى بِسُجُودٍ مُعْتَدٍّ بِهِ لِلْعُذْرِ (وَصَحَّتْ جُمُعَتُهُ) قَالَ فِي شَرْحِهِ: لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْهَا مَا تُدْرَكُ بِهِ الْجُمُعَةُ وَهُوَ رَكْعَةٌ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ انْتَهَى أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَارِقْهُ إلَّا بَعْدَ رَكْعَةٍ، وَسُجُودُهُ لِنَفْسِهِ فِي حُكْمِ مَا أَتَى بِهِ مَعَ إمَامِهِ، لِبَقَائِهِ عَلَى نِيَّةِ الْإِتْمَامِ، كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَبَقَ فِي الْخَوْفِ (وَكَذَا) أَيْ كَالتَّخَلُّفِ عَنْ الْإِمَامِ لِزِحَامٍ (لَوْ تَخَلَّفَ) عَنْهُ (لِمَرَضٍ أَوْ نَوْمٍ أَوْ سَهْوٍ وَنَحْوِهِ) كَجَهْلِ وُجُوبِ مُتَابَعَتِهِ. وَإِنْ زُحِمَ عَنْ جُلُوسٍ لِتَشَهُّدٍ فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَأْتِي بِهِ قَائِمًا وَيُجْزِئُهُ وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: الْأَوْلَى انْتِظَارُ زَوَالِ الزِّحَامِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ (الرَّابِعُ تَقَدُّمُ خُطْبَتَيْنِ) أَيْ خُطْبَتَانِ مُتَقَدِّمَتَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ} الْآيَةَ وَالذِّكْرُ هُوَ الْخُطْبَةُ وَالْأَمْرُ بِالسَّعْيِ إلَيْهِ دَلِيلُ وُجُوبِهِ وَلِمُوَاظَبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ {كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ وَهُوَ قَائِمٌ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ} (بَدَلَ رَكْعَتَيْنِ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِقَوْلِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ " قُصِرَتْ الصَّلَاةُ مِنْ أَجْلِ الْخُطْبَةِ " (لَا) أَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ بَدَلُ رَكْعَتَيْنِ (مِنْ الظُّهْرِ) لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَيْسَتْ بَدَلًا عَنْ الظُّهْرِ، بَلْ مُسْتَقِلَّةٌ كَمَا تَقَدَّمَ، الْأُوَلُ (مِنْ شُرُوطِهِمَا) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ أَيْ مِمَّا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّتُهُمَا وَإِنْ كَانَ مِنْهُمَا لِمَا يَأْتِي (الْوَقْتُ) فَلَا تَصِحُّ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُمَا بَدَلُ رَكْعَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَأَنْ يَصِحَّ أَنْ يُؤَمَّ فِيهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ فَلَا تَصِحُّ خُطْبَةُ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ كَعَبْدٍ وَمُسَافِرٍ وَلَوْ أَقَامَ لِعِلْمٍ أَوْ شَغْلٍ بِلَا اسْتِيطَانٍ لِمَا تَقَدَّمَ (وَحَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ قَوْلُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ " لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ {كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَشَهَّدَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {كُلُّ كَلَامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ}. (وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ افْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالْأَذَانِ وَيَتَعَيَّنُ لَفْظُ الصَّلَاةِ لَا السَّلَامِ (وَقِرَاءَةُ آيَةٍ) كَامِلَةٍ لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ {كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ الْآيَاتِ وَيُذَكِّرُ النَّاسَ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ أُقِيمَتَا مَقَامَ الرَّكْعَتَيْنِ فَوَجَبَتْ فِيهِمَا الْقِرَاءَةُ كَالصَّلَاةِ وَلَا تُجْزِئُ آيَةٌ لَا تَسْتَقِلُّ بِمَعْنَى أَوْ حُكْمٍ نِحْوِ " ثُمَّ نَظَرَ " أَوْ " مُدْهَامَّتَانِ " ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَتَجْزِيءُ الْقِرَاءَةُ (وَلَوْ) كَانَ الْخَاطِبُ (جُنُبًا مَعَ تَحْرِيمِهَا) أَيْ الْقِرَاءَةِ (وَالْوَصِيَّةُ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى) لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ مِنْ الْخُطْبَةِ فَلَمْ يَجُزْ الْإِخْلَالُ بِهَا وَتُعْتَبَرُ هَذِهِ الشُّرُوطُ (فِي كُلِّ خُطْبَةٍ) مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ، فَلَوْ قَرَأَ مِنْ الْقُرْآنِ مَا يَتَضَمَّنُ الْحَمْدَ وَالْمَوْعِظَةَ وَصَلَّى عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ خُطْبَةٍ كَفَى قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُهَا أَيْ الْوَصِيَّةِ، وَأَقَلُّهَا: اتَّقُوا اللَّهَ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَنَحْوَهُ (وَمُوَالَاةُ جَمِيعِهِمَا) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ (مَعَ الصَّلَاةِ) تُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْخُطْبَتَيْنِ، وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافُهُ. وَقَالَ {صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي} (وَالنِّيَّةُ) لِحَدِيثِ {إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ} (وَالْجَهْرُ) بِالْخُطْبَتَيْنِ (بِحَيْثُ يَسْمَعُ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ) لِلْجُمُعَةِ (حَيْثُ لَا مَانِعَ) لَهُمْ مِنْ سَمَاعِهِ، كَنَوْمٍ أَوْ غَفْلَةٍ أَوْ صَمَمِ بَعْضِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا لِخَفْضِ صَوْتِهِ أَوْ بُعْدِهِمْ عَنْهُ وَنَحْوِهِ لَمْ تَصِحَّ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ (وَسَائِرُ) أَيْ بَاقِي (شُرُوطِ الْجُمُعَةِ) كَكَوْنِ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ فِيهَا مُسْتَوْطِنِينَ حِينَ الْخُطْبَةِ فَلَوْ كَانُوا بِسَفِينَةٍ مُسَافِرِينَ فِيهَا مِنْ قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَخَطَبَهُمْ أَحَدُهُمْ، وَلَمْ يَصِلُوا الْقَرْيَةَ حَتَّى فَرَغَ مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ اسْتَأْنَفَهَا وَهَذِهِ الشُّرُوطُ (لِلْقَدْرِ الْوَاجِبِ) مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ، وَهُوَ أَرْكَانُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ الْحَمْدُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِرَاءَةُ آيَةٍ، وَالْوَصِيَّةُ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنْ انْفَضُّوا عَنْ الْخَطِيبِ، ثُمَّ عَادُوا قَرِيبًا وَلَمْ يَفُتْهُمْ شَيْءٌ مِنْ الْأَرْكَانِ، لَمْ يَضُرَّ. وَ (لَا) يُشْتَرَطُ لِلْخُطْبَتَيْنِ (الطَّهَارَتَانِ) مِنْ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ فَتَصِحُّ خُطْبَةُ جُنُبٍ كَأَذَانِهِ وَتَحْرِيمُ لُبْثِهِ بِالْمَسْجِدِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِوَاجِبِ الْعِبَادَةِ كَصَلَاةِ مَنْ مَعَهُ دِرْهَمٌ غَصْبٌ. (وَ) لَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا (سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَ) لَا (إزَالَةُ النَّجَاسَةِ) كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ وَأَوْلَى (وَلَا) يُشْتَرَطُ أَيْضًا (أَنْ يَتَوَلَّاهُمَا وَاحِدٌ) فَلَوْ خَطَبَ وَاحِدٌ الْأُولَى وَآخَرُ الثَّانِيَةَ. أَجْزَأَتَا كَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ (وَ) لَا أَنْ يَتَوَلَّاهُمَا (مَنْ يَتَوَلَّى الصَّلَاةَ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ بِمُفْرَدِهَا، (وَلَا) يُشْتَرَطُ أَيْضًا (حُضُورُ مُتَوَلِّي الصَّلَاةِ الْخُطْبَةَ) فَتَصِحُّ إمَامَةُ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ الْخُطْبَةَ بِهِمْ، حَيْثُ كَانَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا (وَيُبْطِلُهَا) أَيْ الْخُطْبَةَ (كَلَامٌ مُحَرَّمٌ) فِي أَثْنَائِهَا (وَلَوْ يَسِيرًا) كَأَذَانٍ وَأَوْلَى (وَهِيَ) أَيْ الْخُطْبَةُ (بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ) مَعَ الْقُدْرَةِ (كَقِرَاءَةٍ) فَلَا تَجُوزُ وَتَصِحُّ مَعَ الْعَجْزِ غَيْرُ الْقِرَاءَةِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا وَجَبَ بَدَلَهَا ذِكْرٌ. (وَسُنَّ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى مِنْبَرٍ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِهِ فَعُمِلَ لَهُ مِنْ أَثْلِ الْغَابَةِ فَكَانَ يَرْتَقِي عَلَيْهِ وَكَانَ ثَلَاثَ دَرَجٍ، وَسُمِّيَ مِنْبَرًا لِارْتِفَاعِهِ وَالنَّبْرُ الِارْتِفَاعُ وَاتِّخَاذُهُ سُنَّةً مُجْمَعٌ عَلَيْهَا قَالَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ (أَوْ) عَلَى (مَوْضِع عَالٍ) إنْ عُدِمَ الْمِنْبَرُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَيَكُونَانِ (عَنْ يَمِينِ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ) كَمَا كَانَ مِنْبَرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنْ وَقَفَ) الْخَطِيبُ (بِالْأَرْضِ فَعَنْ يَسَارِهِمْ) أَيْ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ. (وَ) سُنَّ (سَلَامُهُ) أَيْ الْإِمَامِ (إذَا خَرَجَ) إلَى الْمَأْمُومِينَ. (وَ) سَلَامُهُ أَيْضًا (إذَا أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ) بِوَجْهِهِ لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ قَالَ {كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ سَلَّمَ} وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَكَسِلَامِهِ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ فِي خُرُوجِهِ. (وَ) سُنَّ أَيْضًا (جُلُوسُهُ) أَيْ الْخَطِيبِ (حَتَّى) يُؤَذَّنَ " لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ {كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ حَتَّى يَفْرُغَ الْمُؤَذِّنُ ثُمَّ يَقُومَ فَيَخْطُبَ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مُخْتَصَرًا. (وَ) سُنَّ جُلُوسُهُ أَيْضًا (بَيْنَهُمَا) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ (قَلِيلًا) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ {كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ وَهُوَ قَائِمٌ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: بِقَدْرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ (فَإِنْ أَبَى) أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَهُمَا فَصَلَ بِسَكْتَةٍ (أَوْ خَطَبَ جَالِسًا فَصَلَ) بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ (بِسَكْتَةٍ) لِيَحْصُلَ التَّمْيِيزُ، وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّ الْجُلُوسَ بَيْنَهُمَا غَيْرُ وَاجِبٍ؛ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ عَلِيٌّ: سَرَدَ الْخُطْبَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ (وَ) يُسَنُّ أَيْضًا (أَنْ يَخْطُبَ قَائِمًا) نَصًّا لِمَا سَبَقَ وَلَمْ يَجِبْ كَالْأَذَانِ وَالِاسْتِقْبَالِ (مُعْتَمِدًا عَلَى سَيْفٍ أَوْ قَوْسٍ أَوْ عَصًا) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَ لَهُ، وَإِشَارَةً إلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ فُتِحَ بِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى وَالْأُخْرَى بِحَرْفِ الْمِنْبَرِ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ تَوْجِيهًا فَإِنْ لَمْ يَعْتَمِدْ أَمْسَكَ يَمِينَهُ بِشِمَالِهِ أَوْ أَرْسَلَهُمَا (قَاصِدًا تِلْقَاءَهُ) أَيْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى إسْمَاعِهِمْ كُلِّهِمْ وَيَكُونُ مُتَّعِظًا بِمَا يَعِظُ بِهِ وَيَسْتَقْبِلُ النَّاسَ وَيَنْحَرِفُونَ إلَيْهِ فَيَسْتَقْبِلُونَهُ وَيَتَرَبَّعُونَ وَإِنْ اسْتَدْبَرَهُمْ فِيهَا كُرِهَ وَصَحَّتْ. (وَ) سُنَّ (قِصَرُهُمَا) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ (وَ) كَوْنُ (الثَّانِيَةِ أَقْصَرَ) مِنْ الْأُولَى لِحَدِيثِ {إنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ} (وَ) يُسَنُّ لَهُ (رَفْعُ صَوْتِهِ حَسَبَ طَاقَتِهِ) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ. (وَ) سُنَّ لَهُ (الدُّعَاءُ لِلْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {كَانَ إذَا خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دَعَا وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ وَأَمَّنَ النَّاسُ} رَوَاهُ حَرْبٌ فِي مَسَائِلِهِ (وَيُبَاحُ) دُعَاؤُهُ (لِمُعَيَّنٍ) لِمَا رُوِيَ " أَنَّ أَبَا مُوسَى كَانَ يَدْعُو فِي خُطْبَتِهِ لِعُمَرَ " (وَ) يُبَاحُ (أَنْ يَخْطُبَ مِنْ صَحِيفَةٍ) كَقِرَاءَةٍ فِي الصَّلَاةِ مِنْ مُصْحَفٍ.
صَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ بِالْإِجْمَاعِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ عُمَرُ: " صَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ مِنْ غَيْرِ قَصْرٍ، وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى " رَوَاهُ أَحْمَدُ (يُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ جَهْرًا) فِيهِمَا لِحَدِيثِ {صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ إلَّا الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ وفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِ سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ بِهِمَا فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ (وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَقْرَأَ فِي فَجْرِهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ (الم السَّجْدَةَ وَفِي) الرَّكْعَةِ (الثَّانِيَةِ هَلْ أَتَى) عَلَى الْإِنْسَانِ " نَصًّا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِتَضَمُّنِهِمَا ابْتِدَاءً خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَخَلْقَ الْإِنْسَانِ إلَى أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَوْ النَّارَ (وَيُكْرَهُ مُدَاوَمَتُهُ عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى " الم السَّجْدَةِ، وَهَلْ أَتَى فِي فَجْرِهَا. قَالَ أَحْمَدُ: إنَّهَا مُفَضَّلَةٌ بِسَجْدَةٍ وَقَالَ جَمَاعَةٌ لِئَلَّا يُظَنَّ الْوُجُوبُ، وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ فِي عِشَاءِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: وَالْمُنَافِقِينَ (وَيَحْرُمُ إقَامَتُهَا) أَيْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ (وَ) إقَامَةُ صَلَاةِ (عِيدٍ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ) وَاحِدٍ (مِنْ الْبَلَدِ) لِأَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا يَفْعَلَانِ فِي عَهْدِهِ وَعَهْدِ خُلَفَائِهِ إلَّا كَذَلِكَ، وَقَالَ: {صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي} (إلَّا لِحَاجَةٍ، كَضِيقِ) مَسْجِدِ الْبَلَدِ عَنْ أَهْلِهِ. (وَ) ك (بُعْدٍ) بِأَنْ يَكُونَ الْبَلَد وَاسِعًا وَتَتَبَاعَدُ أَقْطَارُهُ فَيَشُقُّ عَلَى مَنْ مَنْزِلُهُ بَعِيدٌ عَنْ مَحَلِّ الْجُمُعَةِ مَجِيئُهَا. (وَ) ك (خَوْفِ فِتْنَةٍ) لِعَدَاوَةٍ بَيْنَ أَهْلِ الْبَلَدِ يُخْشَى بِاجْتِمَاعِهِمْ فِي مَحَلٍّ إثَارَتُهَا (وَنَحْوِهِ) مِمَّا يَدْعُو لِلتَّعَدُّدِ فَيَجُوزُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَقَطْ (فَإِنْ عُدِمَتْ) الْحَاجَةُ وَتَعَدَّدَتْ (فَالصَّحِيحَةُ) مِنْ جُمَعٍ أَوْ أَعْيَادٍ (مَا بَاشَرَهَا الْإِمَامُ مِنْهَا أَوْ أَذِنَ فِيهَا الْإِمَامُ) إنْ لَمْ يُبَاشِرْ شَيْئًا مِنْهُنَّ، وَلَوْ مَسْبُوقَةً لِأَنَّ غَيْرَهَا افْتِيَاتٌ عَلَيْهِ (فَإِنْ اسْتَوَيَا) أَيْ الْجُمُعَتَانِ أَوْ الْعِيدَانِ (أَيْ إذْنِ) الْإِمَامِ فِي إقَامَتِهِمَا (أَوْ) اسْتَوَيَا فِي (عَدَمِهِ) أَيْ الْإِذْنِ (فَ) الصَّحِيحَةُ مِنْهُمَا (السَّابِقَةُ بِالْإِحْرَامِ) لِأَنَّ الِاسْتِغْنَاءَ حَصَلَ بِهَا فَأُنِيطَ الْحُكْمُ بِهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الَّتِي فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ، أَوْ مَكَان يَخْتَصُّ بِهِ جُنْدُ السُّلْطَانِ، أَوْ قَصَبَةِ الْبَلَدِ وَغَيْرِهَا (وَإِنْ وَقَعَتَا مَعًا) بِأَنْ أَحْرَمَ إمَامُهُمَا بِهِمَا فِي آنٍ وَاحِدٍ بَطَلَتَا، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُمَا، وَلَا مَزِيَّةَ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَتُرَجَّحُ بِهَا (فَإِنْ أَمْكَنَ) اجْتِمَاعُهُمْ وَبَقِيَ الْوَقْتُ (صَلَّوْا جُمُعَةً) لِأَنَّهَا فَرْضٌ مَعَ الْوَقْتِ وَلَمْ تَقُمْ صَحِيحَةً فَوَجَبَ تَدَارُكُهَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تُمْكِنْ إقَامَتُهَا لِفَقْدِ شَيْءٍ مِنْ شُرُوطِهَا (فَ) إنَّهُمْ يُصَلُّونَ (ظُهْرًا) لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الْجُمُعَةِ إذَا فَاتَتْ (وَإِنْ جَهِلَ كَيْفَ وَقَعَتَا) بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ سَبْقَ أَحَدِهِمَا وَلَا مَعِيَّتِهِمَا (صَلَّوْا ظُهْرًا) لِاحْتِمَالِ سَبْقِ إحْدَاهُمَا فَتَصِحُّ وَلَا تُعَادُ. وَكَذَا لَوْ وَقَعَتْ جُمَعٌ فِي بَلَدٍ وَجُهِلَ الْحَالُ أَوْ السَّابِقَةُ (وَإِذَا وَقَعَ عِيدٌ فِي يَوْمِهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ (سَقَطَتْ) أَيْ الْجُمُعَةُ (عَمَّنْ حَضَرَهُ) أَيْ الْعِيدَ (مَعَ الْإِمَامِ) فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {صَلَّى الْعِيدَ وَقَالَ: مَنْ شَاءَ أَنْ يَجْمَعَ فَلْيَجْمَعْ} رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ (سُقُوطَ حُضُورٍ لَا) سُقُوطَ (وُجُوبٍ كَمَرِيضٍ لَا كَمُسَافِرٍ) فَمَنْ حَضَرَهَا مِنْهُمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَانْعَقَدَتْ بِهِ، وَصَحَّ أَنْ يُؤَمَّ فِيهَا. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُصَلِّ الْعِيدَ أَوْ صَلَّاهُ بَعْدَ الْإِمَامِ فَيَلْزَمُهُ حُضُورُ الْجُمُعَةِ فَإِنْ اجْتَمَعَ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ أُقِيمَتْ، وَإِلَّا صَلَّوْا ظُهْرًا، لِتَحَقُّقِ عُذْرِهِمْ (إلَّا الْإِمَامَ) فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ حُضُور الْجُمُعَةِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {قَدْ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ عَنْ الْجُمُعَةِ وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ}. (فَإِنْ اجْتَمَعَ مَعَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ) وَلَوْ مِمَّنْ حَضَرَ الْعِيدَ (أَقَامَهَا) لِعَدَمِ الْمَانِعِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهُ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ (صَلَّوْا ظُهْرًا) لِلْعُذْرِ (وَكَذَا) سُقُوطُ (عِيدٍ بِهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ، فَيَسْقُطُ عَمَّنْ حَضَرَهَا مَعَ الْإِمَامِ سُقُوطَ حُضُورٍ (فَيُعْتَبَرُ الْعَزْمُ عَلَيْهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ لِجَوَازِ تَرْكِ الْعِيدِ اكْتِفَاءً بِالْجُمُعَةِ. وَلَوْ فُعِلَتْ الْجُمُعَةُ (قَبْلَ الزَّوَالِ) لِحَدِيثِ ابْنِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: {اجْتَمَعَ يَوْمُ جُمُعَةٍ وَيَوْمُ فِطْرٍ عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: عِيدَانِ قَدْ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَجَمَعَهُمْ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ بُكْرَةً فَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِمَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ} فَيُرْوَى أَنَّ فِعْلَهُ بَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ " أَصَابَ السُّنَّةَ " فَأَمَّا صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فَسَقَطَ بِهَا الْعِيدُ وَالظُّهْرُ. (وَأَقَلُّ السُّنَّةِ) الرَّاتِبَةِ (بَعْدَهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ (رَكْعَتَانِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا {كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَأَكْثَرُهَا) أَيْ السُّنَّةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ (سِتٌّ، وَتُصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) نَصًّا لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ {كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَا رَاتِبَةَ لَهَا قَبْلَهَا نَصًّا وَتُسَنُّ أَرْبَعٌ (وَتُسَنُّ قِرَاءَةُ سُورَةِ الْكَهْفِ فِي يَوْمِهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا {مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنْ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ} رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَفِي خَبَرٍ آخَرَ {مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَتِهَا وُقِيَ فِتْنَةَ الدَّجَّالِ}. (وَ) سُنَّ (كَثْرَةُ دُعَاءٍ) فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ (وَأَفْضَلُهُ) أَيْ الدُّعَاءِ (بَعْدَ الْعَصْرِ) لِحَدِيثِ {إنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا. قَالَ أَحْمَدُ: أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ فِي السَّاعَةِ الَّتِي تُرْجَى فِيهَا الْإِجَابَةُ: أَنَّهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ. وَتُرْجَى بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ (وَ) سُنَّ بِتَأَكُّدٍ فِي يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا كَثْرَةُ (صَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِحَدِيثِ {أَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيَّ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ فَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا} رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا {أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ (وَ) سُنَّ أَيْضًا (غُسْلٌ لَهَا) أَيْ لِلْجُمُعَةِ (فِيهِ) أَيْ فِي يَوْمِهَا لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا {لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا؟} وَلَوْ أَحْدَثَ بَعْدَهُ أَوْ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْمُضِيُّ إلَيْهَا (وَأَفْضَلُهُ) أَيْ الْغُسْلِ عَنْ جِمَاعٍ (عِنْدَ مُضِيِّهِ) خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْمَقْصُودِ (وَ) سُنَّ أَيْضًا (تَنَظُّفٌ) بِقَصِّ شَارِبٍ وَتَقْلِيمِ ظُفُرٍ وَقَطْعِ رَوَائِحَ كَرِيهَةٍ بِسِوَاكٍ وَغَيْرِهِ (وَتَطَيُّبٍ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا {لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ بِدُهْنٍ، وَيَمَسُّ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ إلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (وَ) سُنَّ أَيْضًا (لُبْسُ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ) لِوُرُودِهِ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ (وَهُوَ) أَيْ أَحْسَنُ الثِّيَابِ (الْبَيَاضُ) قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَأَفْضَلُهَا الْبَيَاضُ. (وَ) سُنَّ أَيْضًا (تَبْكِيرٌ إلَيْهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ، وَلَوْ مُشْتَغِلًا بِالصَّلَاةِ فِي مَنْزِلِهِ (مَاشِيًا) بِسَكِينَةٍ لِحَدِيثِ {وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ} (بَعْدَ فَجْرٍ) لِحَدِيثِ {مَنْ جَاءَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً إلَى آخِرِهِ}. (وَلَا بَأْسَ بِرُكُوبِهِ لِعُذْرٍ) كَمَرَضٍ وَبُعْدٍ وَكِبَرٍ. (وَ) لَا بِرُكُوبِهِ عِنْدَ (عَوْدٍ) وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ (وَيَجِبُ سَعْيٌ) لِلْجُمُعَةِ (بِالنِّدَاءِ الثَّانِي) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ} الْآيَةَ وَخُصَّ الثَّانِي لِأَنَّهُ الَّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إلَّا بَعِيدَ مَنْزِلٍ عَنْ) مَوْضِعِ الْجُمُعَةِ (فَ) يَجِبُ سَعْيُهُ (فِي وَقْتٍ يُدْرِكُهَا) كُلَّهَا إذَا سَعَى فِيهِ وَالْمُرَادُ: بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا قَبْلَهُ ذَكَرَهُ فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ. وَأَنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتٍ لِلسَّعْيِ أَيْضًا قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ (إذَا عَلِمَ حُضُورَ الْعَدَدِ) الْمُعْتَبَرِ لِلْجُمُعَةِ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَة لِسَعْيِهِ. (وَ) سُنَّ أَيْضًا (اشْتِغَالٌ بِذِكْرٍ وَصَلَاةٍ) وَقُرْآنٍ (إلَى خُرُوجِ الْإِمَامِ) لِلْخُطْبَةِ، لِيَنَالَ أَجْرَهُ وَكَذَا بَعْدَ خُرُوجِهِ لِمَنْ لَا يَسْمَعُهُ، غَيْرَ الصَّلَاةِ، وَيَسْجُدُ لِتِلَاوَةٍ حَيْثُ يُسَنُّ فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ (فَ) إنَّهُ (يَحْرُمُ ابْتِدَاءُ صَلَاةٍ غَيْرِ تَحِيَّةِ مَسْجِدٍ) لِلْخَبَرِ (وَيُخَفِّفُ مَا ابْتَدَأَهُ) مِنْ صَلَاةٍ قَبْلَ خُرُوجِهِ (وَلَوْ) كَانَ (نَوَى أَرْبَعًا وَصَلَّى اثْنَتَيْنِ) سَوَاءٌ كَانَ بِالْمَسْجِدِ، أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّ اسْتِمَاعَ الْخُطْبَةِ أَهَمُّ (وَكُرِهَ لِغَيْرِ الْإِمَامِ تَخَطِّي الرِّقَابِ) {لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ لِرَجُلٍ رَآهُ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْت} رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَأَمَّا الْإِمَامُ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لِحَاجَةٍ إلَيْهِ وَأَلْحَقَ بِهِ بَعْضُهُمْ الْمُؤَذِّنَ بَيْنَ يَدَيْهِ (إلَّا إنْ رَأَى فُرْجَةً لَا يَصِلُ إلَيْهَا إلَّا بِهِ) أَيْ بِتَخَطِّي الرِّقَابِ فَيُبَاحُ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا لِإِسْقَاطِهِمْ حَقَّهُمْ بِتَأَخُّرِهِمْ عَنْهَا. (وَ) كُرِهَ أَيْضًا (إيثَارُهُ) غَيْرَهُ (بِمَكَانٍ أَفْضَلَ) وَيَجْلِسُ فِيمَا دُونَهُ لِأَنَّهُ رَغْبَةٌ عَنْ الْخَيْرِ. وَ (لَا) يُكْرَهُ لِلْمُؤْثَرِ (قَبُولُهُ) وَلَا رَدُّهُ وَقَامَ رَجُلٌ لِأَحْمَدَ مِنْ مَوْضِعِهِ فَأَبَى أَنْ يَجْلِسَ فِيهِ وَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ إلَى مَوْضِعِك فَرَجَعَ إلَيْهِ نَقَلَهُ سِنْدِيٌّ (وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ) أَيْ الْمُؤْثَرِ بِفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ (سَبْقُهُ إلَيْهِ) أَيْ الْمَكَانِ الْأَفْضَلِ لِأَنَّهُ أَقَامَهُ مَقَامَهُ أَشْبَهَ مَنْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا فَآثَرَ بِهِ غَيْرَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَسَّعَ بِطَرِيقٍ لِشَخْصٍ فَمَرَّ غَيْرُهُ فِيهِ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ لِلْمُرُورِ فِيهَا وَالْمَسْجِدُ جُعِلَ لِلْإِقَامَةِ فِيهِ (وَالْعَائِدُ مِنْ قِيَامِهِ لِعَارِضٍ) كَتَطَهُّرٍ (أَحَقُّ بِمَكَانِهِ) الَّذِي كَانَ سَبَقَ إلَيْهِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا {مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ} وَمَنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ إلَّا بِالتَّخَطِّي فَكَمَنْ رَأَى فُرْجَةً (وَحَرُمَ أَنْ يُقِيمَ) إنْسَانٌ (غَيْرَهُ) مِنْ مَكَانٍ سَبَقَ إلَيْهِ مَعَ أَهْلِيَّتِهِ حَتَّى الْمُعَلِّمُ وَالْمُفْتِي وَالْمُحَدِّثُ وَنَحْوُهُمْ فَيَحْرُمُ أَنْ يُقِيمَ مَنْ جَلَسَ مَوْضِعَ حَلَقَتِهِ (وَلَوْ) كَانَ (عَبْدَهُ) الْكَبِيرَ (أَوْ) كَانَ (وَلَدَهُ) الْكَبِيرَ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا {نَهَى أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلُ أَخَاهُ مِنْ مَقْعَدِهِ وَيَجْلِسَ فِيهِ}. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يَقُولُ: " افْسَحُوا " لِلْخَبَرِ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ دِينِيٌّ فَاسْتَوَى فِيهِ السَّيِّدُ وَالْوَالِدُ وَغَيْرُهُمَا. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ جَلَسَ فِي مُصَلَّى الْإِمَامِ أَوْ طَرِيقِ الْمَارَّةِ أَوْ اسْتَقْبَلَ الْمُصَلِّينَ فِي مَكَانَ ضَيِّقٍ، أُقِيمَ (إلَّا الصَّغِيرَ) مِنْ وَلَدٍ وَعَبْدٍ وَأَجْنَبِيٍّ لَمْ يُكَلَّفْ لِأَنَّ الْبَالِغَ أَحَقُّ مِنْهُ بِالتَّقَدُّمِ لِلْفَضْلِ (قَالَ الْمُنَقِّحُ: وَقَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِي عَدَمَ الصِّحَّةِ) لِصَلَاةِ مَنْ أَقَامَ غَيْرَهُ وَصَلَّى مَكَانَهُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فِي مَعْنَى الْغَاصِبِ لِلْمَكَانِ، وَالصَّلَاةُ فِي الْغَصْبِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ. لَكِنَّ الْفَرْقَ ظَاهِرٌ (وَإِلَّا مَنْ) جَلَسَ (بِمَوْضِعٍ) مِنْ مَسْجِدٍ (يَحْفَظُهُ لِغَيْرِهِ) فَإِنَّ الْمَحْفُوظَ لَهُ يُقِيمُ الْحَافِظَ وَيَجْلِسُ فِيهِ لِأَنَّهُ كَنَائِبِهِ فِي حِفْظِهِ، سَوَاءٌ حَفِظَهُ لَهُ (بِإِذْنِهِ أَوْ بِدُونِهِ) لِأَنَّهُ يَقُومُ بِاخْتِيَارِهِ (وَ) حَرُمَ أَيْضًا (رَفْعُ مُصَلًّى مَفْرُوشٍ) لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ رَبُّهُ إذَا جَاءَ، لِأَنَّهُ افْتِيَاتٌ عَلَى رَبِّهِ، وَتَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. فَيَجُوزُ فَرْشُهُ (مَا لَمْ تَحْضُرْ) أَيْ تُقَمْ (الصَّلَاةُ) وَلَا يَحْضُرُ رَبُّهُ، فَلِغَيْرِهِ رَفْعُهُ وَالصَّلَاةُ مَكَانَهُ فَإِنَّ الْمَفْرُوشَ لَا حُرْمَةَ لَهُ بِنَفْسِهِ، وَرَبُّهُ لَمْ يَحْضُرْ. (وَ) حَرُمَ أَيْضًا (كَلَامٌ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَهُوَ) أَيْ الْمُتَكَلِّمُ (مِنْهُ) أَيْ الْإِمَامِ (بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ) أَيْ الْإِمَامُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْخُطْبَةِ وَسُمِّيَتْ قُرْآنًا: لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا {إذَا قُلْت لِصَاحِبِك يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْت} وَاللَّغْوُ الْإِثْمُ (إلَّا) الْكَلَامَ (لَهُ) أَيْ الْإِمَامِ وَهُوَ يَخْطُبُ فَلَا يَحْرُمُ (أَوْ) إلَّا (لِمَنْ كَلَّمَهُ) أَيْ الْإِمَامَ (لِمَصْلَحَةٍ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: {جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَأَشَارَ النَّاسُ إلَيْهِ: أَنْ اُسْكُتْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الثَّالِثَةِ: مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ قَالَ: حُبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ: إنَّك مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ}. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْ الْإِمَامِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ لَمْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْكَلَامُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَمِعٍ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ اشْتِغَالُهُ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْقُرْآنِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفْسِهِ، وَاشْتِغَالُهُ بِذَلِكَ أَفْضُلُ مِنْ إنْصَاتِهِ. وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَتَكَلَّمْ (وَيَجِبُ) الْكَلَامُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ (لِتَحْذِيرِ ضَرِيرٍ) مِنْ هَلَكَةٍ (وَ) تَحْذِيرٍ (غَافِلٍ عَنْ هَلَكَةٍ وَبِئْرٍ وَنَحْوِهِ) كَقَطْعِ الصَّلَاةِ لِذَلِكَ وَأَوْلَى (وَيُبَاحُ) الْكَلَامُ (إذَا سَكَتَ) الْخَطِيبُ (بَيْنَهُمَا) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَا خُطْبَةَ إذَنْ يُنْصِتُ لَهَا، بِخِلَافِ حَالِ تَنَفُّسِهِ فَيَحْرُمُ (أَوْ) إذَا (شَرَعَ فِي دُعَاءٍ) لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ، فَلَا يَجِبُ الْإِنْصَاتُ لَهُ (وَلَهُ) أَيْ مُسْتَمِعِ الْخَطِيبِ (الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَمِعَهَا) مِنْ الْخَطِيبِ، لِتَأَكُّدِهَا إذَنْ (وَتُسَنُّ) الصَّلَاةُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سِرًّا) إذَا سَمِعَهَا لِئَلَّا يَشْغَلَ غَيْرَهُ بِجَهْرِهِ (كَدُعَاءٍ) وَتَأْمِينٍ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى دُعَاءِ الْخَاطِبِ. فَيُسَنُّ سِرًّا (وَ) يَجُوزُ (حَمْدُهُ خُفْيَةً إذَا عَطَسَ، وَرَدُّ سَلَامٍ، وَتَشْمِيتُ عَاطِسٍ) وَلَوْ سَمِعَ الْخَطِيبُ لِعُمُومِ الْأَوَامِرِ بِهَا (وَإِشَارَةُ أَخْرَسَ إذَا فُهِمَتْ كَكَلَامٍ) فَتَحْرُمُ حَيْثُ يَحْرُمُ الْكَلَامُ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهُ، لَا تَسْكِينُ مُتَكَلِّمٍ بِإِشَارَةٍ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ كَانَ يَحْصِبُ مَنْ تَكَلَّمَ " أَيْ يَرْمِيهِ بِالْحَصَى، وَيُكْرَهُ الْعَبَثُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ. وَالسُّؤَالُ حَالَ الْخُطْبَةِ لَا يُتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا لَا يَجُوزُ، فَلَا يُعَانُونَ عَلَيْهِ وَلَوْ بِالْمُنَاوَلَةِ فَإِنْ سَأَلَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ جَلَسَ، فَلَا بَأْسَ كَمَنْ لَمْ يَسْأَلْ أَوْ سَأَلَ لَهُ الْخَطِيبُ (وَمَنْ دَخَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ) بِمَسْجِدٍ (لَمْ يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ) وَلَوْ وَقْتَ نَهْيٍ لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا {إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَتَحْرُمُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا فَإِنْ خَطَبَ بِغَيْرِ مَسْجِدٍ لَمْ يُصَلِّ الدَّاخِلُ شَيْئًا (فَتُسَنُّ تَحِيَّتُهُ لِمَنْ دَخَلَهُ) أَيْ الْمَسْجِدَ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ الْجُلُوسَ بِهِ (بِشَرْطِهِ) بِأَنْ لَا يَجْلِسَ فَيَطُولَ جُلُوسُهُ، وَيَكُونُ مُتَطَهِّرًا وَلَا يَكُونُ وَقْتَ نَهْيٍ غَيْرَ حَالِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ (غَيْرَ خَطِيبٍ دَخَلَهُ لَهَا) أَيْ الْخُطْبَةِ. (وَ) غَيْرَ (دَاخِلِهِ لِصَلَاةِ عِيدٍ أَوْ وَالْإِمَامُ فِي مَكْتُوبَةٍ أَوْ) دَاخِلِهِ (بَعْدَ شُرُوعٍ فِي إقَامَةٍ) فَلَا تُسَنُّ لَهُمْ تَحِيَّةٌ (وَ) غَيْرَ (قَيِّمِهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ فَلَا تُسَنُّ لَهُمْ التَّحِيَّةُ لِلْمَشَقَّةِ. وَأَمَّا غَيْرُ قَيِّمِهِ (إذَا تَكَرَّرَ دُخُولُهُ) فَتُسَنُّ لَهُ، كَمَا قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، تَوْجِيهًا فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ (وَ) غَيْرَ (دَاخِلِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) لِأَنَّ تَحِيَّتَهُ الطَّوَافُ فَيُسَنُّ كُلَّمَا دَخَلَ، وَلَوْ تَكَرَّرَ دُخُولُهُ، غَيْرَ مَا اسْتَثْنَى قَبْلُ (وَيَنْتَظِرُ) مَنْ دَخَلَ حَالَ الْأَذَانِ (فَرَاغَ مُؤَذِّنٍ لِتَحِيَّةِ) مَسْجِدٍ لِيُجِيبَ الْمُؤَذِّنَ ثُمَّ يُصَلِّيَهَا فَيَجْمَعَ بَيْنَ الْفَضِيلَتَيْنِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ غَيْرُ أَذَانِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ سَمَاعَ الْخُطْبَةِ أَهَمُّ (وَإِنْ جَلَسَ) مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَبْلَ التَّحِيَّةِ (قَامَ فَأَتَى بِهَا) أَيْ التَّحِيَّةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لِمَنْ جَلَسَ قَبْلَهَا قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ. وَفِي رِوَايَةٍ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ} (مَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ) بَيْنَ جُلُوسِهِ وَقِيَامِهِ فَيَفُوتُ مَحَلُّهَا وَلَا تُقْضَى.
وَهُوَ لُغَةً: مَا اعْتَادَك، أَيْ تَرَدَّدَ عَلَيْك مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ عَادَ سُمِّيَ بِهِ الْمَعْرُوفُ لِأَنَّهُ يَعُودُ وَيَتَكَرَّرُ، أَوْ لِأَنَّهُ يَعُودُ بِالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ، جُمِعَ بِالْيَاءِ وَأَصْلُهُ بِالْوَاوِ، لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْوَادِ الْخَشَبِ، أَوْ لِلُزُومِهَا فِي الْوَاحِدِ (صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ، فَرْضُ كِفَايَةٍ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاظَبَ عَلَيْهِمَا حَتَّى مَاتَ. وَرُوِيَ {أَنَّ أَوَّلَ صَلَاةِ عِيدٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِيدُ الْفِطْرِ، فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ}. (إذَا اتَّفَقَ أَهْلُ الْبَلَدِ) مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا (عَلَى تَرْكِهَا) أَيْ إذَا تَرَكُوهَا (قَاتَلَهُمْ الْإِمَامُ) لِأَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ وَفِي تَرْكِهَا تَهَاوُنٌ بِالدِّينِ (وَكُرِهَ إنْ يَنْصَرِفَ مَنْ حَضَرَ) مُصَلَّاهَا (وَيَتْرُكَهَا) لِتَفْوِيتِهِ أَجْرَهَا بِلَا عُذْرٍ فَإِنْ لَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ إلَّا بِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ. (وَوَقْتُهَا ك) وَقْتِ (صَلَاةِ الضُّحَى) مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ قِيدَ رُمْحٍ إلَى قُبَيْلِ الزَّوَالِ (فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعِيدِ إلَّا بَعْدَهُ) أَيْ خُرُوجِ الْوَقْتِ (صَلَّوْا) الْعِيدَ (مِنْ الْغَدِ قَضَاءً) مُطْلَقًا لِمَا رَوَى أَبُو عُمَيْرِ بْنُ أَنَسٍ. قَالَ {حَدَّثَنِي عُمُومَةٌ لِي مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: غُمَّ عَلَيْنَا هِلَالُ شَوَّالٍ فَأَصْبَحْنَا صِيَامًا فَجَاءَ رَكْبٌ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ، فَشَهِدُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ فَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يُفْطِرُوا مِنْ يَوْمِهِمْ، وَأَنْ يَخْرُجُوا لِعِيدِهِمْ مِنْ الْغَدِ}. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ وَصَحَّحَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَالْخَطَّابِيُّ وَلِأَنَّ الْعِيدَ شُرِعَ لَهُ الِاجْتِمَاعُ الْعَامُّ وَلَهُ وَظَائِفُ دِينِيَّةٌ وَدُنْيَوِيَّةٌ، وَآخِرَ النَّهَارِ: مَظِنَّةَ الضِّيقِ عَنْ ذَلِكَ غَالِبًا وَأَمَّا مَنْ فَاتَتْهُ مَعَ الْإِمَامِ فَيُصَلِّيهَا مَتَى شَاءَ؛ لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ لَا اجْتِمَاعَ فِيهَا (وَكَذَا لَوْ مَضَى أَيَّامٌ) وَلَمْ يَعْلَمُوا بِالْعِيدِ، أَوْ لَمْ يُصَلُّوا لِفِتْنَةٍ وَنَحْوِهَا أَوْ أَخَّرُوهَا بِلَا عُذْرٍ. (وَتُسَنُّ) صَلَاةُ عِيدٍ (بِصَحْرَاءَ قَرِيبَةٍ عُرْفًا) مِنْ بُنْيَانٍ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ {كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إلَى الْمُصَلَّى} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَكَذَا الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ وَلِأَنَّهُ أَوْقَعُ هَيْبَةً وَأَظْهَرُ شِعَارًا وَلَا يَشُقُّ، لِعَدَمِ تَكَرُّرِهِ، بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ (إلَّا بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ فَ) تُصَلَّى (بِالْمَسْجِدِ) الْحَرَامِ لِفَضِيلَةِ الْبُقْعَةِ، وَمُشَاهَدَةِ الْكَعْبَةِ. وَلَمْ يَزَلْ الْأَئِمَّةُ يُصَلُّونَهَا بِهِ (وَ) يُسَنُّ (تَقْدِيمُ) صَلَاةِ (الْأَضْحَى، بِحَيْثُ يُوَافِقُ مَنْ بِمِنًى فِي ذَبْحِهِمْ، وَتَأْخِيرُ) صَلَاةِ (الْفِطْرِ) لِخَبَرِ الشَّافِعِيِّ مُرْسَلًا {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنْ عَجِّلْ الْأَضْحَى وَأَخِّرْ الْفِطْرَ وَذَكِّرْ النَّاسَ} وَلِيَتَّسِعَ وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ. (وَ) يُسَنُّ (أَكْلٌ فِيهِ) أَيْ فِي عِيدِ الْفِطْرِ (قَبْلَ الْخُرُوجِ) إلَى الصَّلَاةِ لِقَوْلِ بُرَيْدَةَ {كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يُفْطِرَ وَلَا يَطْعَمَ يَوْمَ النَّحْرِ حَتَّى يُصَلِّيَ}. رَوَاهُ أَحْمَدُ (تَمَرَاتٍ وِتْرًا) لِحَدِيثِ أَنَسٍ {كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ مُنْقَطِعَةٍ {وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا}. (وَ) يُسَنُّ (إمْسَاكٌ) عَنْ أَكْلٍ (فِي الْأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ) الْعِيدَ لِلْخَبَرِ (لِيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ إنْ ضَحَّى) يَوْمَهُ (وَالْأَوْلَى) بَدْءٌ بِأَكْلٍ (مِنْ كَبِدِهَا) لِسُرْعَةِ تَنَاوُلِهِ وَهَضْمِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُضَحِّ (خُيِّرَ) بَيْنَ أَكْلٍ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَتَرْكِهِ نَصًّا. (وَ) يُسَنُّ (غُسْلٌ لَهَا) أَيْ لِصَلَاةِ عِيدٍ (فِي يَوْمِهِ) أَيْ الْعِيدِ لِمَا تَقَدَّمَ فَلَا يُجْزِئُ لَيْلًا وَلَا بَعْدَهَا (وَ) يُسَنُّ (تَبْكِيرُ مَأْمُومٍ) لِيَدْنُوَ مِنْ الْإِمَامِ وَيَنْتَظِرَ الصَّلَاةَ فَيَكْثُرَ أَجْرُهُ (بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ) مِنْ يَوْمِ الْعِيدِ (مَاشِيًا) إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ {مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْعِيدِ مَاشِيًا} (عَلَى أَحْسَنِ هَيْئَةٍ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا {كَانَ يَعْتَمُّ وَيَلْبَسُ بُرْدَهُ الْأَحْمَرَ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ} رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ فِي الْعِيدَيْنِ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ (إلَّا الْمُعْتَكِفَ فَ) يَخْرُجُ إلَى الْعِيدِ (فِي ثِيَابِ اعْتِكَافِهِ) إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا، إبْقَاءً لِأَثَرِ الْعِبَادَةِ. (وَ) يُسَنُّ (تَأَخُّرُ إمَامٍ إلَى) دُخُولِ وَقْتِ (الصَّلَاةِ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا {كَانَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إلَى الْمُصَلَّى فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلَاةُ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ يُنْتَظَرُ وَلَا يَنْتَظِرُ (وَ) يُسَنُّ (التَّوْسِعَةُ عَلَى الْأَهْلِ) لِأَنَّهُ سُرُورٌ. (وَ) تُسَنُّ (الصَّدَقَةُ) فِي يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ إغْنَاءً لِلْفُقَرَاءِ عَنْ السُّؤَالِ (وَ) يُسَنُّ (رُجُوعُهُ) أَيْ الْمُصَلِّي (فِي غَيْرِ طَرِيقِ غُدُوِّهِ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ {كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا خَرَجَ إلَى الْعِيدِ خَالَفَ إلَى الطَّرِيقِ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعِلَّتُهُ شَهَادَةُ الطَّرِيقَيْنِ، أَوْ تَسْوِيَتُهُ بَيْنَهُمَا فِي التَّبَرُّكِ بِمُرُورِهِ، أَوْ سُرُورُهُمَا بِمُرُورٍ، أَوْ الصَّدَقَةُ عَلَى فُقَرَائِهِمَا وَنَحْوِهِ فَلِذَا قَالَ (وَكَذَا جُمُعَةٌ) وَلَا يُمْتَنَعُ فِي غَيْرِهَا. (وَمِنْ شُرُوطِهَا) أَيْ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ: دُخُولُ (وَقْتٍ) كَسَائِرِ الْمُؤَقَّتَاتِ (وَاسْتِيطَانٌ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَافَقَ فِي حَجِّهِ عِيدًا وَلَمْ يُصَلِّهِ (وَعَدَدُ الْجُمُعَةِ) فَلَا تُقَامُ إلَّا حَيْثُ تُقَامُ الْجُمُعَةُ، لِأَنَّهَا ذَاتُ خُطْبَةٍ رَاتِبَةٍ أَشْبَهَتْهَا. وَ (لَا) يُشْتَرَطُ لَهَا (إذْنُ إمَامٍ) كَمَا لَا يُشْتَرَطُ لِلْجُمُعَةِ (وَيَبْدَأُ ب) الصَّلَاةِ، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ {كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ يُصَلُّونَ الْعِيدَيْنِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمَا نُقِلَ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّهُ قَدَّمَ الْخُطْبَةَ عَلَى الصَّلَاةِ أَوَاخِرَ خِلَافَتِهِ". قَالَ الْمُوَفَّقُ لَمْ يَصِحَّ فَلَا يُعْتَدُّ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَتُعَادُ فَيُصَلِّي (رَكْعَتَيْنِ) لِقَوْلِ عُمَرَ {صَلَاةُ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى} رَوَاهُ أَحْمَدُ (يُكَبِّرُ فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى بَعْدَ) تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ و(الِاسْتِفْتَاحِ وَقَبْلَ التَّعَوُّذِ: سِتًّا) زَوَائِدَ (وَ) يُكَبِّرُ (فِي) الرَّكْعَةِ (الثَّانِيَةِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، خَمْسًا) زَوَائِدَ نَصًّا لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ فِي عِيدٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً: سَبْعًا فِي الْأُولَى وَخَمْسًا فِي الْأَخِيرَةِ} إسْنَادُهُ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَالَ أَبِي: أَنَا أَذْهَبُ إلَى هَذَا. وَفِي لَفْظٍ {التَّكْبِيرُ سَبْعٌ فِي الْأُولَى، وَخَمْسٌ فِي الْأَخِيرَةِ وَالْقِرَاءَةُ بَعْدَهُمَا كِلْتَيْهِمَا}. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَوْلُهُ " سَبْعٌ فِي الْأُولَى " أَيْ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ (يَرْفَعُ) مُصَلٍّ (يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ) نَصًّا لِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرَةِ} قَالَ أَحْمَدُ: فَأَرَى أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ هَذَا كُلُّهُ (وَيَقُولُ) بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ (اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا) لِقَوْلِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ " سَأَلْت ابْنَ مَسْعُودٍ عَمَّا يَقُولُهُ بَيْنَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ؟ قَالَ: نَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى وَنُثْنِي عَلَيْهِ وَنُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَرْبٌ وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ (وَإِنْ أَحَبَّ) مُصَلٍّ (قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ) مِنْ الْأَذْكَارِ لِأَنَّ الْغَرَضَ الذِّكْرُ لَا ذِكْرُ مَخْصُوصٍ لِعَدَمِ وُرُودِهِ (وَلَا يَأْتِي بِذِكْرٍ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأَخِيرَةِ فِيهِمَا) أَيْ الرَّكْعَتَيْنِ، لِأَنَّ مَحَلَّهُ بَيْنَ تَكْبِيرَتَيْنِ فَقَطْ (ثُمَّ يَقْرَأُ جَهْرًا) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا {كَانَ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ} رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ (الْفَاتِحَةَ ثُمَّ سَبِّحْ فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى: ثُمَّ الْغَاشِيَةَ) بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (فِي) الرَّكْعَةِ (الثَّانِيَةِ) لِحَدِيثِ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا {كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ بِ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلِابْنِ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَأَنَسٍ. (فَإِذَا سَلَّمَ) الْإِمَامُ مِنْ الصَّلَاةِ (خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَأَحْكَامُهُمَا) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ (كَخُطْبَتَيْ جُمُعَةٍ) فِيمَا تَقَدَّمَ مُفَصَّلًا (حَتَّى فِي) تَحْرِيمِ (الْكَلَامِ) حَالَ الْخُطْبَةِ نَصًّا (إلَّا التَّكْبِيرَ مَعَ الْخَاطِبِ) فَيُسَنُّ. وَإِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ جَلَسَ نَدْبًا نَصًّا لِيَسْتَرِيحَ وَيَتَرَادَّ إلَيْهِ نَفَسُهُ وَيَتَأَهَّبَ النَّاسُ لِلِاسْتِمَاعِ (وَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَفْتِحَ) الْخُطْبَةَ (الْأُولَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ) نَسَقًا (وَ) يَسْتَفْتِحَ (الثَّانِيَةَ بِسَبْعِ) تَكْبِيرَاتٍ (نَسَقًا) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةُ قَالَ {يُكَبِّرُ الْإِمَامُ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَفِي الثَّانِيَةِ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ}. وَيَكُونُ (قَائِمًا) حَالَ تَكْبِيرِهِ كَسَائِرِ أَذْكَارِ الْخُطْبَةِ قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةُ: إنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ (يَحُثُّهُمْ فِي خُطْبَةِ) عِيدِ (الْفِطْرِ عَلَى الصَّدَقَةِ) لِحَدِيثِ {أَغْنُوهُمْ عَنْ السُّؤَالِ فِي هَذَا الْيَوْمِ} (وَيُبَيِّنُ لَهُمْ مَا يُخْرِجُونَ) جِنْسًا وَقَدْرًا وَوَقْتَ وُجُوبِهِ وَإِخْرَاجِهِ وَمَنْ تَجِبُ فِطْرَتُهُ وَمَنْ تُدْفَعُ إلَيْهِ (وَيُرَغِّبُهُمْ ب) خُطْبَةِ عِيدِ (الْأَضْحَى فِي الْأُضْحِيَّةَ) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ذَكَرَ فِي خُطْبَةِ الْأَضْحَى كَثِيرًا مِنْ أَحْكَامِهَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ وَالْبَرَاءِ، وَجَابِرٍ وَغَيْرِهِمْ (وَيُبَيِّنُ لَهُمْ حُكْمَهَا) أَيْ مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةَ، وَمَا لَا يُجْزِئُ وَمَا الْأَفْضَلُ، وَوَقْتَ الذَّبْحِ وَمَا يُخْرِجُهُ مِنْهَا (وَالتَّكْبِيرَاتُ الزَّوَائِدُ وَالذِّكْرُ بَيْنَهُمَا) سُنَّةٌ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ بَيْنَ التَّحْرِيمَةِ وَالْقِرَاءَةِ أَشْبَهَ دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ، فَلَا سُجُودَ لِتَرْكِهِ سَهْوًا (وَالْخُطْبَتَانِ سُنَّةٌ) لِحَدِيثِ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ {شَهِدْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيدَ فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ: إنَّا نَخْطُبُ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ فَلْيَجْلِسْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَذْهَبَ فَلْيَذْهَبْ} رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ: مُرْسَلًا. وَلَوْ وَجَبَتْ لَوَجَبَ حُضُورُهَا وَاسْتِمَاعُهَا كَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ (وَكُرِهَ تَنَفُّلٌ) قَبْلَ صَلَاةِ عِيدٍ وَبَعْدَهَا بِمَوْضِعِهَا قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ نَصًّا لِخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا {خَرَجَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهُمَا وَلَا بَعْدَهُمَا} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَ) كُرِهَ (قَضَاءُ فَائِتَةٍ) مِنْ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ (قَبْلَ الصَّلَاةِ بِمَوْضِعِهَا) صَحْرَاءَ كَانَ أَوْ مَسْجِدًا (وَبَعْدَهَا قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ) أَيْ مَوْضِعِ الصَّلَاةِ نَصًّا لِئَلَّا يُقْتَدَى بِهِ، فَإِنْ خَرَجَ فَصَلَّى بِمَنْزِلِهِ أَوْ عَادَ لِلْمُصَلَّى فَصَلَّى بِهِ فَلَا بَأْسَ (وَ) كُرِهَ (أَنْ تُصَلَّى) الْعِيدُ (بِالْجَامِعِ) لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ (بِغَيْرِ مَكَّةَ) فَتُسَنُّ فِيهَا بِهِ وَتَقَدَّمَ (إلَّا لِعُذْرٍ) فَلَا تُكْرَهُ بِالْجَامِعِ لِنَحْوِ مَطَرٍ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ {أَصَابَنَا مَطَرٌ فِي يَوْمِ عِيدٍ فَصَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ}. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ يُصَلِّي بِضَعَفَةِ النَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ، نَصًّا لِفِعْلِ عَلِيٍّ وَيَخْطُبُ بِهِمْ وَلَهُ فِعْلُهَا قَبْلَ الْإِمَامِ وَبَعْدَهُ، وَأَيُّهُمَا سَبَقَ سَقَطَ بِهِ الْفَرْضُ، وَجَازَتْ الْأُضْحِيَّةَ وَلَا يَؤُمُّ فِيهَا نَحْوَ عِيدٍ كَالْجُمُعَةِ (وَيُسَنُّ لِمَنْ فَاتَتْهُ) الْعِيدُ مَعَ الْإِمَامِ (قَضَاؤُهَا فِي يَوْمِهَا) قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ (عَلَى صِفَتِهَا) لِفِعْلِ أَنَسٍ، وَكَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ (كَمُدْرِكِ) إمَامٍ (فِي التَّشَهُّدِ) لِعُمُومِ {مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا}. (وَإِنْ أَدْرَكَهُ) أَيْ الْإِمَامَ مَأْمُومٌ (بَعْدَ التَّكْبِيرِ الزَّائِدِ، أَوْ) بَعْدَ (بَعْضِهِ) لَمْ يَأْتِ بِهِ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَاتَ مَحَلُّهَا (أَوْ) نَسِيَ التَّكْبِيرَ الزَّائِدَ أَوْ بَعْضَهُ حَتَّى قَرَأَ، ثُمَّ (ذَكَرَهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ، لَمْ يَأْتِ بِهِ) لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ كَمَا لَوْ تَرَكَ الِاسْتِفْتَاحَ أَوْ التَّعَوُّذَ حَتَّى قَرَأَ وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي الْخُطْبَةِ سَمِعَهَا جَالِسًا بِلَا تَحِيَّةٍ ثُمَّ مَتَى شَاءَ صَلَّاهَا (وَيُكَبِّرُ مَسْبُوقٌ، وَلَوْ ب) سَبَبِ (نَوْمٍ أَوْ غَفْلَةٍ فِي قَضَاءٍ بِمَذْهَبِهِ) لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُنْفَرِدِ فِي الْقِرَاءَةِ وَالسَّهْوِ، فَكَذَا فِي التَّكْبِيرِ (وَسُنَّ التَّكْبِيرُ الْمُطْلَقُ) أَيْ الَّذِي لَمْ يُقَيَّدْ بِكَوْنِهِ أَدْبَارَ الْمَكْتُوبَاتِ (وَإِظْهَارُهُ وَجَهْرُ) غَيْرِ أُنْثَى (بِهِ) فِي (لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ) فِي مَسَاجِدَ وَبُيُوتٍ وَأَسْوَاقٍ وَغَيْرِهَا. (وَ) تَكْبِيرُ عِيدِ (فِطْرٍ آكَدُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} الْآيَةَ أَيْ عِدَّةَ رَمَضَانَ {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} الْآيَةَ أَيْ عِنْدَ إكْمَالِهَا. (وَ) يُسَنُّ التَّكْبِيرُ الْمُطْلَقُ (مِنْ خُرُوجٍ إلَيْهِمَا) أَيْ الْعِيدَيْنِ (إلَى فَرَاغِ الْخُطْبَةِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ كَانَ إذَا غَدَا يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى يَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى، ثُمَّ يُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَ الْإِمَامُ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. (وَ) يُسَنُّ التَّكْبِيرُ الْمُطْلَقُ (فِي كُلِّ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ) وَلَوْ لَمْ يَرَ بَهِيمَةَ الْأَنْعَامِ. (وَ) يُسَنُّ التَّكْبِيرُ الْمُقَيَّدُ (فِي) عِيدِ (الْأَضْحَى) خَاصَّةً (عَقِبَ كُلِّ) صَلَاةِ (فَرِيضَةٍ جَمَاعَةً، حَتَّى الْفَائِتَةُ فِي عَامِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْعِيدِ إذَا صَلَّاهَا جَمَاعَةً (مِنْ صَلَاةِ فَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى عَصْرِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ {كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ حِينَ يُسَلِّمُ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ} رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ (إلَّا الْمُحْرِمَ فَ) يُكَبِّرُ أَدْبَارَ الْمَكْتُوبَاتِ جَمَاعَةً (مِنْ صَلَاةِ ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ) إلَى عَصْرِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ نَصًّا لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ تَنْقَطِعُ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ. وَوَقْتُهُ الْمَسْنُونُ: ضُحَى يَوْمِ الْعِيدِ فَكَانَ الْمُحْرِمُ فِيهِ كَالْمَحَلِّ، فَلَوْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَكَذَلِكَ حَمْلًا عَلَى الْغَالِبِ وَيُؤَيِّدُهُ: أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الرَّمْيَ حَتَّى صَلَّى الظُّهْرَ اجْتَمَعَ فِي حَقِّهِ التَّكْبِيرُ وَالتَّلْبِيَةُ فَيَبْدَأُ بِالتَّكْبِيرِ لِأَنَّ مِثْلَهُ مَشْرُوعٌ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ بِهَا أَشْبَهُ. (وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ) هِيَ حَادِي عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ، وَثَانِي عَشَرَةَ وَثَالِثَ عَشَرَةَ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ: مِنْ تَشْرِيقِ اللَّحْمِ، أَيْ تَقْدِيدِهِ، أَوْ مِنْ قَوْلِهِمْ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ، أَوْ لِأَنَّ الْهَدْيَ لَا يُذْبَحُ حَتَّى تُشْرِقَ الشَّمْسُ (وَمُسَافِرٌ وَمُمَيِّزٌ كَمُقِيمٍ وَبَالِغٍ) فِي التَّكْبِيرِ عَقِبَ الْمَكْتُوبَةِ جَمَاعَةً لِلْعُمُومَاتِ، وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ التَّكْبِيرُ عَقِبَ نَافِلَةٍ، وَلَا صَلَاةِ جِنَازَةٍ، وَلَا فَرِيضَةٍ لَمْ تُصَلَّ جَمَاعَةً، لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ " إنَّمَا التَّكْبِيرُ عَلَى مَنْ صَلَّى جَمَاعَةً " رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَتُكَبِّرُ امْرَأَةٌ صَلَّتْ جَمَاعَةً مَعَ رِجَالٍ، وَتَخْفِضُ صَوْتَهَا (وَيُكَبِّرُ الْإِمَامُ مُسْتَقْبِلَ النَّاسِ) فَيَلْتَفِتُ إلَى الْمَأْمُومِينَ إذَا سَلَّمَ: لِحَدِيثِ جَابِرٍ {كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى الصُّبْحَ مِنْ غَدَاةِ عَرَفَةَ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَيَقُولُ: عَلَى مَكَانِكُمْ، وَيَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَه إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ} رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. (وَمَنْ نَسِيَهُ) أَيْ التَّكْبِيرَ (قَضَاهُ) إذَا ذَكَرَهُ (مَكَانَهُ فَإِنْ قَامَ) مِنْهُ (أَوْ ذَهَبَ) نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا (عَادَ فَجَلَسَ) فِيهِ وَكَبَّرَ لِأَنَّ تَكْبِيرَهُ جَالِسًا فِي مُصَلَّاهُ سُنَّةٌ لِمَا تَقَدَّمَ فَلَا يَتْرُكُهَا مَعَ الْإِمْكَانِ، وَإِنْ كَبَّرَ مَاشِيًا فَلَا بَأْسَ (مَا لَمْ يُحْدِثْ أَوْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ يُطِلْ الْفَصْلَ) بَيْنَ سَلَامِهِ وَتَذَكُّرِهِ فَلَا يُكَبِّرُ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَاتَ مَحَلُّهَا (وَيُكَبِّرُ مَنْ نَسِيَهُ إمَامُهُ) لِيَحُوزَ الْفَضِيلَةَ، وَمَنْ سَهَا فِي صَلَاتِهِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ، ثُمَّ كَبَّرَ (وَ) يُكَبِّرُ (مَسْبُوقٌ إذَا قَضَى) مَا فَاتَهُ وَسَلَّمَ نَصًّا لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَاسْتَوَى فِيهِ الْمَسْبُوقُ وَغَيْرُهُ (وَلَا يُسَنُّ) التَّكْبِيرُ (عَقِبَ صَلَاةِ عِيدٍ) لِأَنَّ الْأَثَرَ إنَّمَا جَاءَ فِي الْمَكْتُوبَاتِ. (وَصِفَتُهُ) أَيْ التَّكْبِيرِ (شَفْعًا: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ: وَقَالَهُ عَلِيٌّ وَحَكَّا ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - قَالَ أَحْمَدُ: اخْتِيَارِي تَكْبِيرُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَذَكَرَهُ مِثْلُهُ (وَلَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ) أَيْ الْمُصَلِّي (لِغَيْرِهِ) مِنْ الْمُصَلِّينَ (تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْك) نَصًّا قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، يَرْوِيهِ أَهْلُ الشَّامِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَوَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ. (وَلَا) بَأْسَ (بِالتَّعْرِيفِ عَشِيَّةَ) عَرَفَةَ (بِالْأَمْصَارِ) نَصًّا. قَالَ أَحْمَدُ: إنَّمَا هُوَ دُعَاءٌ وَذِكْرُ اللَّهِ: وَأَوَّلُ مَنْ فَعَلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعُمَرُ وَابْنُ حُرَيْثٍ.
(وَهُوَ ذَهَابُ ضَوْءِ أَحَدِ النَّيِّرَيْنِ) أَيْ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ (أَوْ) ذَهَابُ (بَعْضِهِ) أَيْ الضَّوْءِ (سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ {انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ فَقَالَ النَّاسُ: انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَادْعُوَا اللَّهَ، وَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (حَتَّى يُسْفِرَ) لِعُمُومِ الْخَبَرِ (بِلَا خُطْبَةٍ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالصَّلَاةِ، دُونَ الْخُطْبَةِ، وَالْكُسُوفُ وَالْخُسُوفُ بِمَعْنَى يُقَالُ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ، وَخَسَفَتْ بِضَمِّ أَوَّلِهِمَا وَفَتْحِهِ. (وَوَقْتُهَا) أَيْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ (مِنْ ابْتِدَائِهِ إلَى التَّجَلِّي) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَلَا تُقْضَى) صَلَاةُ الْكُسُوفِ (إنْ فَاتَتْ) بِالتَّجَلِّي لِمَا تَقَدَّمَ وَلَمْ يُنْقَلْ الْأَمْرُ بِهَا بَعْدَ التَّجَلِّي وَلَا قَضَاؤُهَا وَلِأَنَّهَا غَيْرُ رَاتِبَةٍ وَلَا تَابِعَةٍ لِفَرْضٍ فَلَمْ تُقْضَ (كَاسْتِسْقَاءٍ وَتَحِيَّةِ مَسْجِدٍ وَسُجُودِ) تِلَاوَةٍ و(شُكْرٍ) لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا. (وَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا) أَيْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ (وَلَا) لِصَلَاةِ (اسْتِسْقَاءٍ إذْنُ الْإِمَامِ) كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَأَوْلَى. (وَفِعْلُهَا) أَيْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ (جَمَاعَةً بِمَسْجِدٍ أَفْضَلُ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ {خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَسْجِدِ فَقَامَ وَكَبَّرَ، وَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَ) يَجُوزُ (لِلصِّبْيَانِ حُضُورُهَا) كَغَيْرِهِمْ وَاسْتَحَبَّهَا ابْنُ حَامِدٍ لَهُمْ وَلِعَجَائِزَ. (وَهِيَ) أَيْ صَلَاةُ الْكُسُوفِ (رَكْعَتَانِ يَقْرَأُ فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى جَهْرًا، وَلَوْ) كَانَتْ الصَّلَاةُ (فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ {صَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ، فَجَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا} صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ (الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً طَوِيلَةً) مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ (ثُمَّ يَرْكَعُ طَوِيلًا) فَيُسَبِّحُ (ثُمَّ يَرْفَعُ) رَأْسَهُ (فَيُسَمِّعُ) أَيْ قَائِلًا " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " (وَيَحْمَدُ) أَيْ يَقُولُ إذَا اعْتَدَلَ " رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاءِ " إلَخْ. (ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ) أَيْضًا (وَسُورَةً وَيُطِيلُ) قِيَامَهُ (وَهُوَ دُونَ) الطُّولِ (الْأَوَّلِ) فِي الْقِيَامِ (ثُمَّ يَرْكَعُ) أَيْضًا (فَيُطِيلُ) رُكُوعَهُ مُسَبِّحًا (وَهُوَ دُونَ) الرُّكُوعِ (الْأَوَّلِ، ثُمَّ يَرْفَعُ) وَيُسْمِعُ وَيَحْمَدُ، وَلَا يُطِيلُهُ كَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ (ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي) الرَّكْعَةَ (الثَّانِيَةَ ك) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى) بِرُكُوعَيْنِ طَوِيلَيْنِ وَسُجُودَيْنِ طَوِيلَيْنِ (لَكِنْ) تَكُونُ الثَّانِيَةُ (دُونَهَا) أَيْ الْأُولَى (فِي كُلِّ مَا يَفْعَلُ) مِنْ الْقِيَامَيْنِ وَالرُّكُوعَيْنِ وَالسُّجُودَيْنِ، (ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ {كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، حَتَّى جَعَلُوا يَخِرُّونَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ، ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ فَصَنَعَ نَحْوَ ذَلِكَ فَكَانَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد. وَرَوَى أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِثْلَهُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَفِيهِ {فَسَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ}. (وَلَا تُعَادُ) الصَّلَاةُ (إنْ فَرَغَتْ قَبْلَ التَّجَلِّي، بَلْ يُذَكِّرُ وَيَدْعُو) لِأَنَّهُ سَبَبٌ وَاحِدٌ فَلَا يَتَعَدَّدُ مُسَبَّبُهُ. (وَإِنْ تَجَلَّى) الْكُسُوفُ (فِيهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (أَتَمَّهَا خَفِيفَةً) لِحَدِيثِ {فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ. (وَ) إنْ (تَجَلَّى) (قَبْلَهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (لَمْ يُصَلِّ) لِأَنَّهَا لَا تُقْضَى وَتَقَدَّمَ (وَإِنْ غَابَتْ الشَّمْسُ كَاسِفَةً) لَمْ يُصَلِّ (أَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَالْقَمَرُ خَاسِفٌ لَمْ يُصَلِّ) لِأَنَّهُ ذَهَبَ وَقْتُ الِانْتِفَاعِ بِهِمَا. (وَإِنْ غَابَ) الْقَمَرُ (خَاسِفًا لَيْلًا صَلَّى) لِبَقَاءِ وَقْتِ الِانْتِفَاعِ بِنُورِهِ. (وَيَعْمَلُ) إذَا شَكَّ فِي الْكُسُوفِ (بِالْأَصْلِ فِي وُجُودِهِ) فَلَا يُصَلِّي لَهُ إذَا شَكَّ فِي وُجُودِهِ مَعَ غَيْمٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ. (وَ) يَعْمَلُ بِالْأَصْلِ فِي (بَقَائِهِ) فَإِذَا عَلِمَ الْكُسُوفَ، ثُمَّ حَصَلَ غَيْمٌ فَشَكَّ فِي التَّجَلِّي صَلَّى لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ ابْتَدَأَهَا أَتَمَّهَا بِلَا تَخْفِيفٍ (وَ) يَعْمَلُ بِالْأَصْلِ فِي (ذَهَابِهِ) أَيْ الْكُسُوفِ. فَإِنْ انْكَشَفَ الْغَيْمُ عَنْ بَعْضِ النَّيْرِ وَلَا كُسُوفَ بِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، أَتَمَّهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَهَابِهِ عَنْ بَاقِيهِ وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ فِيهِ، وَلَا فِي غَيْرِهِ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ (وَيَذْكُرُ) اللَّهَ تَعَالَى (وَيَدْعُوهُ وَقْتَ نَهْيٍ) وَلَا يُصَلِّي لِكُسُوفٍ فِيهِ، لِعُمُومِ أَحَادِيثِ النَّهْيِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى قَتَادَةُ قَالَ " انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ بَعْدَ الْعَصْرِ وَنَحْنُ بِمَكَّةَ، فَقَامُوا يَدْعُونَ قِيَامًا فَسَأَلْت عَنْ ذَلِكَ عَطَاءً فَقَالَ: هَكَذَا كَانُوا يَصْنَعُونَ " رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. (وَيُسْتَحَبُّ عِتْقٌ فِي كُسُوفِهَا) أَيْ الشَّمْسِ لِحَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ {لَقَدْ أَمَرَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَتَاقَةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَإِنْ أَتَى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) مِنْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ (بِثَلَاثِ رُكُوعَاتٍ أَوْ أَرْبَعِ) رُكُوعَاتٍ (أَوْ خَمْسِ) رُكُوعَاتٍ (فَلَا بَأْسَ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا {صَلَّى سِتَّ رَكَعَاتٍ بِأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ} وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا {صَلَّى فِي كُسُوفٍ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ وَالْأُخْرَى مِثْلُهَا} رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. وَرَوَى أَبِي دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: {انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّهُ صَلَّى بِهِمْ، فَقَرَأَ سُورَةً مِنْ الطِّوَالِ، ثُمَّ رَكَعَ خَمْسَ رُكُوعَاتٍ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ فَقَرَأَ سُورَةً مِنْ الطِّوَالِ، ثُمَّ رَكَعَ خَمْسَ رُكُوعَاتٍ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ كَمَا هُوَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَدْعُو حَتَّى انْجَلَى كُسُوفُهَا} (وَمَا بَعْدَ) الرُّكُوعِ (الْأَوَّلِ) فِي كُلِّ رَكْعَةٍ (سُنَّةٌ) كَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ (لَا تُدْرَكُ بِهِ الرَّكْعَةُ) لِلْمَسْبُوقِ. وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ لِأَنَّهُ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ {عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ بِرُكُوعٍ وَاحِدٍ}". (وَ) لِهَذَا (يَصِحُّ فِعْلُهَا كَنَافِلَةٍ) وَلَا يُزَادُ عَلَى خَمْسِ رُكُوعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ. (وَلَا يُصَلَّى لِآيَةٍ غَيْرِهِ) أَيْ الْكُسُوفِ (كَظُلْمَةِ نَهَارٍ، وَضِيَاءٍ وَرِيحٍ شَدِيدَةٍ، وَصَوَاعِقَ) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ مَعَ أَنَّهُ وَقَعَ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ وَهُبُوبُ الرِّيَاحِ وَنُزُولُ الصَّوَاعِقِ. وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إذَا هَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ اصْفَرَّ لَوْنُهُ وَقَالَ:: {اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا وَلَا تَجْعَلْهَا رِيحًا} (إلَّا لِزَلْزَلَةٍ دَائِمَةٍ) فَيُصَلَّى لَهَا كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ نَصًّا لِفِعْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ. رَوَاهُ سَعِيدٌ وَالْبَيْهَقِيُّ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَحْوَهُ، وَقَالَ: لَوْ ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ لَقُلْنَا بِهِ وَالزَّلْزَلَةُ رَجْفَةُ الْأَرْضِ وَاضْطِرَابُهَا، وَعَدَمُ سُكُونِهَا. (وَمَتَى اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَجِنَازَةٌ قُدِّمَتْ) جِنَازَةٌ عَلَى كُسُوفٍ لِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَيُخْشَى عَلَى الْمَيِّتِ بِالِانْتِظَارِ (فَتُقَدَّمُ) صَلَاةُ جِنَازَةٍ (عَلَى مَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ) كُسُوفٌ مِنْ الصَّلَوَاتِ بِالْأَوْلَى. (وَلَوْ) كَانَتْ (جُمُعَةً أُمِنَ فَوْتُهَا وَلَمْ يُشْرَعْ فِي خُطْبَتِهَا أَوْ) كَانَتْ (عِيدًا) وَأُمِنَ الْفَوَاتُ (أَوْ) كَانَتْ (مَكْتُوبَةً وَأُمِنَ الْفَوْتُ) فَيُقَدَّمُ الْكُسُوفُ عَلَى ذَلِكَ، خَشْيَةَ تَجَلِّيهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنْ خِيفَ فَوْتُ الْجُمُعَةِ أَوْ كَانَ شُرِعَ فِي خُطْبَتِهَا أَوْ خِيفَ فَوْتُ عِيدٍ أَوْ مَكْتُوبَةٍ، قُدِّمَتْ لِتَعَيُّنِ الْوَقْتِ لَهَا إذْ السُّنَّةُ لَا تُعَارِضُ فَرْضًا. (أَوْ) كَانَتْ الصَّلَاةُ (وِتْرًا) فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ كُسُوفٌ (وَلَوْ خِيفَ فَوْتُهُ) لِأَنَّهُ يُقْضَى بِخِلَافِهَا وَأَيْضًا هِيَ آكَدُ مِنْ الْوِتْرِ. (وَتُقَدَّمُ جِنَازَةٌ عَلَى عِيدٍ وَجُمُعَةٍ أُمِنَ فَوْتُهُمَا) قُلْت: وَلَمْ يُشْرَعْ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ يُخْشَى عَلَى الْمَيِّتِ بِالِانْتِظَارِ. (وَ) تُقَدَّمُ (تَرَاوِيحُ عَلَى كُسُوفٍ إنْ تَعَذَّرَ فِعْلُهُمَا) فِي وَقْتِهِمَا لِأَنَّ التَّرَاوِيحَ تَخْتَصُّ بِرَمَضَانَ، بِخِلَافِ الْكُسُوفِ فَتَفُوتُ بِفَوَاتِهِ. (وَإِنْ وَقَعَ) كُسُوفٌ (بِعَرَفَةَ صَلَّى) صَلَاةَ الْكُسُوفِ بِعَرَفَةَ (ثُمَّ دَفَعَ مِنْهَا) فَيُتَصَوَّرُ الْكُسُوفُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ وَقَدْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ، وَيَوْمَ عَاشِرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْآمِدِيُّ، وَالْفَخْرُ فِي تَلْخِيصِهِ اتِّفَاقًا عَنْ أَهْلِ السِّيَرِ وَذَكَرَ أَبُو شَامَةَ فِي تَارِيخِهِ: أَنَّ الْقَمَرَ خُسِفَ فِي لَيْلَةِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ وَكُسِفَتْ الشَّمْسُ فِي غَدِهِ وَاَللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
(وَهُوَ) أَيْ الِاسْتِسْقَاءُ (الدُّعَاءُ بِطَلَبِ السُّقْيَا) بِضَمِّ السِّينِ الِاسْمُ مِنْ السَّقْيِ (عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ) يَأْتِي بَيَانُهَا (وَتُسَنُّ) صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ (حَتَّى بِسَفَرٍ إذَا ضَرَّ) النَّاسَ (إجْدَابُ أَرْضٍ) يُقَالُ: أَجْدَبَ الْقَوْمُ، إذَا أَمْحَلُوا (وَ) ضَرَّهُمْ (قَحْطُ مَطَرٍ) أَيْ احْتِبَاسُهُ (أَوْ) ضَرَّهُمْ (غَوْرُ) أَيْ ذَهَابُ (مَاءِ عُيُونٍ) فِي الْأَرْضِ (أَوْ) ضَرَّهُمْ غَوْرُ مَاءِ (أَنْهَارٍ) جَمْعُ نَهْرٍ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِهَا: مَجْرَى الْمَاءِ وَكَذَا لَوْ نَقَصَ مَاؤُهَا وَضَرَّ (وَوَقْتُهَا) أَيْ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ كَعِيدٍ، فَتُسَنُّ أَوَّلَ النَّهَارِ وَتَجُوزُ كُلَّ وَقْتٍ غَيْرَ وَقْتِ نَهْيٍ. (وَصِفَتُهَا فِي مَوْضِعِهَا) أَيْ مَوْضِعِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ. (وَأَحْكَامُهَا كَصَلَاةِ عِيدٍ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " سُنَّةُ الِاسْتِسْقَاءِ سُنَّةُ الْعِيدَيْنِ " فَتُسَنُّ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِصَحْرَاءَ قَرِيبَةٍ عُرْفًا بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ وَيَقْرَأُ جَهْرًا فِي الْأَوَّلِ بِسَبِّحْ وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْغَاشِيَةِ فَيُكَبِّرُ فِي الْأُولَى سِتًّا زَوَائِدَ وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ. {قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - وَسُئِلَ عَنْهَا - صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدَيْنِ} قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَى الشَّافِعِيُّ مُرْسَلًا: {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ: يُكَبِّرُونَ فِيهَا سَبْعًا وَخَمْسًا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوُهُ، وَزَادَ فِيهِ وَقَرَأَ فِي الْأُولَى بِسَبِّحْ وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْغَاشِيَةِ}. (وَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الْخُرُوجَ لَهَا وَعَظَ النَّاسَ) أَيْ ذَكَّرَهُمْ بِمَا تَلِينُ بِهِ قُلُوبُهُمْ، وَخَوَّفَهُمْ الْعَوَاقِبَ (وَأَمَرَهُمْ بِالتَّوْبَةِ) أَيْ الرُّجُوعِ عَنْ الْمَعَاصِي (وَ) أَمَرَهُمْ بِ (الْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ) بِرَدِّهَا إلَى مُسْتَحَقِّيهَا قَالَ تَعَالَى:: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} الْآيَةَ، (وَ) أَمَرَهُمْ ب (تَرْكِ التَّشَاحُنِ) مِنْ الشَّحْنَاءِ، وَهِيَ الْعَدَاوَةُ لِأَنَّهَا تَحْمِلُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَتَمْنَعُ نُزُولَ الْخَيْرِ لِحَدِيثِ: {خَرَجْت أُخْبِرُكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ} (وَ) أَمَرَهُمْ (بِالصَّدَقَةِ) لِتَضَمُّنِهَا الرَّحْمَة فَيُرْحَمُونَ بِنُزُولِ الْغَيْثِ (وَ) أَمَرَهُمْ ب (الصَّوْمِ) لِخَبَرِ {لِلصَّائِمِ دَعْوَةٌ لَا تُرَدُّ} زَادَ بَعْضُهُمْ "ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ" وَأَنَّهُ يَخْرُجُ صَائِمًا (وَلَا يَلْزَمَانِ) أَيْ الصَّدَقَةُ وَالصَّوْمُ (بِأَمْرِهِ) أَيْ الْإِمَامِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا. لَعَلَّ الْمُرَادَ فِي السِّيَاسَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْأُمُورِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا لَا مُطْلَقًا ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ (وَيَعِدُهُمْ) الْإِمَامُ (يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ) أَيْ يُعَيِّنُهُ لَهُمْ لِيَتَهَيَّئُوا لِلْخُرُوجِ فِيهِ عَلَى الصِّفَةِ الْمَسْنُونَةِ (وَيَتَنَظَّفُ لَهَا) أَيْ لِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ بِالْغُسْلِ، وَتَقْلِيمِ الْأَظَافِرِ، وَإِزَالَةِ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ لِئَلَّا يُؤْذِيَ النَّاسَ (وَلَا يَتَطَيَّبُ) لِأَنَّهُ يَوْمُ اسْتِكَانَةٍ وَخُضُوعٍ. (وَيَخْرُجُ) إمَامٌ وَغَيْرُهُ (مُتَوَاضِعًا مُتَخَشِّعًا) خَاضِعًا (مُتَذَلِّلًا) مِنْ الذُّلِّ أَيْ الْهَوَانِ (مُتَضَرِّعًا) مُسْتَكِينًا لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلِاسْتِسْقَاءِ مُتَذَلِّلًا، مُتَوَاضِعًا مُتَخَشِّعًا مُتَضَرِّعًا، حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى} قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَمَعَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (أَهْلُ الدِّينِ وَالصَّلَاحِ وَالشُّيُوخِ) لِسُرْعَةِ إجَابَةِ دَعْوَتِهِمْ. (وَيُسَنُّ خُرُوجُ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ) لِأَنَّهُ لَا ذَنْبَ لَهُ فَدُعَاؤُهُ مُسْتَجَابٌ (وَأُبِيحَ خُرُوجُ طِفْلٍ وَعَجُوزٍ وَبَهِيمَةٍ) لِأَنَّهُمْ خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى وَعِيَالُهُ. (وَ) أُبِيحَ (التَّوَسُّلُ بِالصَّالِحِينَ) رَجَاءَ الْإِجَابَةِ وَاسْتَسْقَى عُمَرُ بِالْعَبَّاسِ، وَمُعَاوِيَةُ بِيَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ. وَاسْتَسْقَى بِهِ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ مَرَّةً أُخْرَى ذَكَرَهُ الْمُوَفَّقُ. (وَلَا نَمْنَعُ أَهْلَ الذِّمَّةِ) مِنْ الْخُرُوجِ لِلِاسْتِسْقَاءِ لِأَنَّهُ لِطَلَبِ الرِّزْقِ وَاَللَّهُ تَعَالَى ضَمِنَ أَرْزَاقَهُمْ كَأَرْزَاقِنَا (إنْ أَرَادُوا) الْخُرُوجَ (مُنْفَرِدِينَ) بِمَكَانٍ لِئَلَّا يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ فَيَعُمَّ مَنْ حَضَرَهُمْ. قَالَ تَعَالَى:: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} الْآيَةَ و(لَا) يُمَكَّنُونَ مِنْهُ إنْ أَرَادُوا أَنْ يَنْفَرِدُوا (بِيَوْمٍ) لِئَلَّا يَتَّفِقَ نَزُولُ غَيْثٍ فِيهِ فَتَعْظُمَ فِتْنَتُهُمْ، وَرُبَّمَا افْتَتَنَ بِهِمْ غَيْرُهُمْ (وَكُرِهَ إخْرَاجُنَا لَهُمْ) أَيْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّهُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ، فَهُمْ أَبْعَدُ إجَابَةً. (فَيُصَلِّي) الْإِمَامُ بِمَنْ حَضَرَهُ رَكْعَتَيْنِ كَالْعِيدِ وَتَقَدَّمَ (ثُمَّ يَخْطُبُ خُطْبَةً وَاحِدَةً) عَلَى الْمِنْبَرِ وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عِنْدَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ غَيْرُهُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَفْتَتِحُهَا) أَيْ الْخُطْبَةَ (بِالتَّكْبِيرِ) تَسْعًا نَسَقًا (كَخُطْبَةِ الْعِيدِ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {صَنَعَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ كَمَا صَنَعَ فِي الْعِيدِ}". (وَيُكْثِرُ فِيهَا الِاسْتِغْفَارَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} الْآيَةَ (وَ) يُكْثِرُ فِيهَا (قِرَاءَةَ آيَاتٍ فِيهَا الْأَمْرُ بِهِ) أَيْ الِاسْتِغْفَارِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ} الْآيَةَ. (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ) فِي دُعَائِهِ لِقَوْلِ أَنَسٍ: {كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ فَكَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبِطَيْهِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَظُهُورُهُمَا نَحْوَ السَّمَاءِ) لِحَدِيثِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (فَيَدْعُو بِدُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ: اللَّهُمَّ) أَيْ يَا اللَّهُ (اسْقِنَا) بِوَصْلِ الْهَمْزَةِ وَقَطْعِهَا (غَيْثًا) أَيْ مَطَرًا، وَيُسَمَّى الْكَلَأُ أَيْضًا: غَيْثًا. (مُغِيثًا) مُنْقِذًا مِنْ الشِّدَّةِ، يُقَالُ: غَاثَهُ وَأَغَاثَهُ (هَنِيئًا) بِالْمَدِّ أَيْ حَاصِلًا بِلَا مَشَقَّةٍ (مَرِيئًا) بِالْمَدِّ أَيْ سَهْلًا نَافِعًا مَحْمُودَ الْعَاقِبَةِ (غَدِقًا) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِهَا أَيْ كَثِيرَ الْمَاءِ وَالْخَيْرِ (مُجَلِّلًا) أَيْ يَعُمُّ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ نَفْعُهُ (سَحًّا) أَيْ صَبًّا، يُقَالُ: سَحَّ يَسِحُّ إذَا سَالَ مِنْ فَوْقُ إلَى أَسْفَلَ، وَسَاحَ يَسِيحُ إذَا جَرَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ (عَامًّا) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ شَامِلًا (طَبَقًا) بِالتَّحْرِيكِ أَيْ يُطْبِقُ الْبِلَادَ مَطَرُهُ (دَائِمًا) أَيْ مُتَّصِلًا إلَى الْخِصْبِ. (اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنْ الْقَانِطِينَ) أَيْ الْآيِسِينَ مِنْ الرَّحْمَةِ (اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ لَا سُقْيَا عَذَابٍ وَلَا بَلَاءٍ وَلَا هَدْمٍ، وَلَا غَرَقٍ اللَّهُمَّ إنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلَادِ مِنْ اللَّأْوَاءِ) الشِّدَّةِ (وَالْجَهْدِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ: الْمَشَقَّةُ، وَضَمِّهَا: الطَّاقَةُ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هُمَا الْمَشَقَّةُ (وَالضَّنْكِ) الضِّيقِ (مَا) أَيْ شِدَّةً وَضَنْكًا (لَا نَشْكُوهُ إلَّا إلَيْك اللَّهُمَّ أَنْبِتْ) بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ (لَنَا الزَّرْعَ وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ. وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِك اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجَهْدَ وَالْجُوعَ وَالْعُرْيَ وَاكْشِفْ عَنَّا مِنْ الْبَلَاءِ مَا لَا يَكْشِفُهُ غَيْرُك اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُك إنَّك كُنْت غَفَّارًا فَأَرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا) أَيْ دَائِمًا مِنْ الْحَاجَةِ وَفِي الْبَابِ غَيْرُهُ (وَيُكْثِرُ) فِي الْخُطْبَةِ (مِنْ الدُّعَاءِ وَمِنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إعَانَةً عَلَى الْإِجَابَةِ. وَعَنْ عُمَرَ " الدُّعَاءُ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّك " صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (وَيُؤَمِّنُ مَأْمُومٌ) عَلَى دُعَاءِ إمَامِهِ كَالْقُنُوتِ وَلَا يُكْرَهُ قَوْلُ " اللَّهُمَّ أَمْطِرْنَا " ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، يُقَالُ: مَطَرَتْ وَأَمْطَرَتْ وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَمْطَرَتْ فِي الْعَذَابِ (وَيَسْتَقْبِلُ) إمَامٌ (الْقِبْلَةَ) نَدْبًا (أَثَنَاءَ الْخُطْبَةِ) لِأَنَّهُ {صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوَّلَ إلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَدْعُو، ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ}". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (فَيَقُولُ سِرًّا: اللَّهُمَّ إنَّك أَمَرْتَنَا بِدُعَائِك وَوَعَدْتَنَا إجَابَتَك، وَقَدْ دَعَوْنَاك كَمَا أَمَرْتَنَا فَاسْتَجِبْ مِنَّا كَمَا وَعَدْتَنَا) قَالَ تَعَالَى:: {اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى:: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبَ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ} الْآيَةَ وَإِنْ دَعَا بِغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ (ثُمَّ يُحَوِّلُ رِدَاءَهُ فَيَجْعَلُ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ وَ) يَجْعَلُ (الْأَيْسَرَ عَلَى الْأَيْمَنِ) نَصًّا لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ " أَنَّ الْخَمِيصَةَ ثَقُلَتْ عَلَيْهِ " أُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ ظَنِّ الرَّاوِي وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعْلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ. وَيَبْعُدُ تَرْكُهُ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ لِلثِّقَلِ (وَكَذَا النَّاسُ) فِي تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَبَتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ لَا دَلِيلَ لِلْخُصُوصِيَّةِ، خُصُوصًا وَالْمَعْنَى فِيهِ التَّفَاؤُلُ بِالتَّحَوُّلِ مِنْ الْجَدْبِ إلَى الْخِصْبِ (وَيَتْرُكُونَهُ) أَيْ الرِّدَاءَ مُحَوَّلًا (حَتَّى يَنْزِعُوهُ مَعَ ثِيَابِهِمْ) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ غَيَّرُوا الْأَرْدِيَةَ حَتَّى عَادُوا (فَإِنْ سُقُوا) فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ فَفَضْلٌ مِنْ اللَّهِ وَنِعْمَةٌ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُسْقَوْا أَوَّلَ مَرَّةٍ (أَعَادُوا ثَانِيًا وَثَالِثًا) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّضَرُّعِ. وَلِحَدِيثِ: {إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ} قَالَ أَصْبَغُ: اُسْتُسْقِيَ لِلنِّيلِ بِمِصْرَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مَرَّةً مُتَوَالِيَةً وَحَضَرَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَجَمْعٌ (وَإِنْ سُقُوا قَبْلَ خُرُوجِهِمْ) لِلِاسْتِسْقَاءِ (فَإِنْ) كَانُوا (تَأَهَّبُوا) لِلْخُرُوجِ لَهُ (خَرَجُوا وَصَلَّوْهَا) أَيْ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ (شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى) وَسَأَلُوهُ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لِطَلَبِ رَفْعِ الْجَدْبِ، وَلَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ نُزُولِ الْمَطَرِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَأَهَّبُوا لِلْخُرُوجِ قَبْلَهُ (لَمْ يَخْرُجُوا وَشَكَرُوا اللَّهَ تَعَالَى، وَسَأَلُوهُ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ يُسْتَحَبُّ التَّشَاغُلُ عِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ بِالدُّعَاءِ لِلْخَبَرِ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَرْفُوعًا: {كَانَ إذَا رَأَى الْمَطَرَ قَالَ: اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ. (وَسُنَّ وُقُوفٌ فِي أَوَّلِ الْمَطَرِ) وَتَوَضُّؤٌ (وَاغْتِسَالٌ مِنْهُ، وَإِخْرَاجُ رِحَالٍ) أَيْ مَا يُسْتَصْحَبُ مِنْ أَثَاثٍ (وَ) إخْرَاجُ (ثِيَابِهِ لِيُصِيبَهَا) الْمَطَرُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ: {أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطَرٌ، فَحَسِرَ ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَ مِنْ الْمَطَرِ، فَقُلْنَا لِمَ صَنَعْت هَذَا؟ قَالَ: لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ}. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {كَانَ يَنْزِعُ ثِيَابَهُ فِي أَوَّلِ الْمَطَرِ إلَّا الْإِزَارَ يَتَّزِرُ بِهِ}. وَأَنَّهُ {كَانَ يَقُولُ إذَا سَالَ الْوَادِي: اُخْرُجُوا بِنَا إلَى هَذَا الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ طَهُورًا فَنَتَطَهَّرَ بِهِ}. (وَإِنْ كَثُرَ) الْمَطَرُ (حَتَّى خِيفَ) مِنْهُ (سُنَّ قَوْلُ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالضِّرَابِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ، وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ) لِمَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُهُ وَلَا يُصَلِّي وَالْآكَامُ: كَآصَالٍ، جَمْعُ أُكُمٍ كَكُتُبٍ، وَكَجِبَالٍ جَمْعُ أَكَمٍ، كَجَبَلٍ، وَوَاحِدُهَا: أَكَمَةٌ، وَهُوَ مَا عَلَا مِنْ الْأَرْضِ، وَلَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَكُونَ جَبَلًا، وَكَانَ أَكْثَرَ ارْتِفَاعًا مِمَّا حَوْلَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: الْجِبَالُ الصِّغَارُ. وَالظِّرَابُ: جَمْعُ ظَرِبٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ الرَّابِيَةِ الصَّغِيرَةِ، وَبُطُونُ الْأَوْدِيَةِ: الْأَمَاكِنُ الْمُنْخَفِضَةُ، وَمَنَابِتُ الشَّجَرِ: أُصُولُهَا لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لَهَا: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} الْآيَةَ لِأَنَّهَا تُنَاسِبُ الْحَالَ، أَيْ لَا تُكَلِّفْنَا مِنْ الْأَعْمَالِ مَا لَا نُطِيقُ يَدْعُو كَذَلِكَ لِزِيَادَةِ مَاءِ الْعُيُونِ وَالْأَنْهَارِ، بِحَيْثُ يَتَضَرَّرُ بِالزِّيَادَةِ قِيَاسًا عَلَى الْمَطَرِ. (وَسُنَّ) لِمَنْ مُطِرَ (قَوْلُ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ) لِأَنَّهُ اعْتِرَافٌ بِنِعْمَةِ اللَّهِ (وَيَحْرُمُ) قَوْلُ مُطِرْنَا (بِنَوْءِ) أَيْ كَوْكَبِ (كَذَا) لِأَنَّهُ كُفْرٌ بِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ (وَيُبَاحُ قَوْلُ: مُطِرْنَا فِي نَوْءِ كَذَا) لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْإِضَافَةَ لِلنَّوْءِ. وَمَنْ رَأَى سَحَابًا أَوْ هَبَّتْ رِيحٌ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى خَيْرَهُ وَتَعَوَّذَ مِنْ شَرِّهِ وَمَا سَأَلَ سَائِلٌ وَلَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثْلِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَلَا يَسُبُّ الرِّيحَ الْعَاصِفَةَ وَإِذَا سَمِعَ الرَّعْدِ تَرَكَ الْحَدِيثَ وَقَالَ: سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَلَا يُتْبِعُ بَصَرَهُ الْبَرْقَ لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَيَقُولُ إذَا انْقَضَّ كَوْكَبٌ: مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. وَإِذَا سَمِعَ نَهِيقَ حِمَارٍ أَوْ نُبَاحَ كَلْبٍ اسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَإِذَا سَمِعَ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ، وَقَوْسُ قُزَحٍ أَمَانٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ الْغَرَقِ كَمَا فِي الْأَثَرِ، وَهُوَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَدَعْوَى الْعَامَّةِ إنْ غَلَبَتْ حُمْرَتُهُ كَانَتْ الْفِتَنُ وَالدَّاءُ وَإِنْ غَلَبَتْ خُضْرَتُهُ كَانَ رَخَاءٌ وَسُرُورٌ: هَذَيَانٌ قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ فِي أُصُولِهِ. انْتَهَى. وَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
|